سراج الاقصى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

سراج الاقصى

للبرامج والانترنت
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
زائر
زائر
Anonymous



قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم   قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم I_icon_minitimeالجمعة فبراير 15, 2008 8:24 am

القصة الأولى :

إنك تنظر أحياناً إلى الحيوان في حدائقه التي
أنشأها الإنسان له لتتمتع وتتعرف عليه عن كثب فتجد بعضه ينظر إليك بعينين
فيهما تعبيرات كثيرة عن أحاسيس يشعر بها ، فتتجاوب معه ، ويتقدم إليك
بغريزته ، ويُصدر بعض الحركات ، فيها معان تكاد تنطق مترجمة ما بنفسه ...
هذا في الأحوال العادية ... فكيف إذا كانت معجزات أرادها الله سبحانه
وتعالى تهز قلوب الناس وعقولهم وأحاسيسهم ؟


ألم يسمع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسبيح الحصا في يده الشريفة
؟ ألم يسمعوا أنين جذع الشجرة ، ويرَوا ميله إليه عليه الصلاة والسلام حين
أنشأ المسلمون له منبراً يخطب عليه ؟


وقد كان يستند إلى الجذع وهو يخطب فعاد إليه ، ومسح عليه ، وقال له : ألا ترضى أن تكون من أشجار الجنة ؟ فسكت ..


إذا كان الجماد والطير صافات تسبح وتتكلم ، ولكن لا نفقه تسبيحها أفليس الأقرب إلى المعقول أن يتكلم الحيوان ؟...


اشتكى بعير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ظلمَ صاحبه إياه ، وكلّم
الهدهدُ سليمانَ عليه السلام ، وسمع صوت النملة تحذّر جنسها من جيش سليمان
العظيم أن يَحْطِمها ، والله سبحانه وتعالى – أولاً وأخيراً- قادر على كل
شيء ، والرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يخبرنا ، ويحدثنا .


في صباح أحد الأيام بعد صلاة الفجر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث
أصحابه ، ولم يكن فيهم صاحباه العظيمان – الصديقُ أبو بكر والفاروق عمر –
رضي الله عنهما ، فلعلهما كانا في سريّة أو تجارة ... فقال :


بينما راع يرعى أغنامه ، ويحوطها برعايته إذْ بذئب يعدو على شاة ، فيمسكها
من رقبتها ، ويسوقها أمامه مسرعاً ، فالضعيف من الحيوان طعام القويّ منها
– سنة الله في مسير هذه الحياة – وتسرع الشاة إلى حتفها معه دون وعي أو
إدراك ، فقد دفعها الخوف والاستسلام إلى متابعته ، وهي لا تدري ما تفعل .
ويلحق الراعي بهما – وكان جَلْداً قويّاً – يحمل هراوته يطارد ذلك المعتدي
مصمماً على استخلاصها منه ... ويصل إليهما ، يكاد يقصم ظهر الذئب . إلا أن
الذئب الذي لم يسعفه الحظ بالابتعاد بفريسته عن سلطان الراعي ، وخاف أن
ينقلب صيداً له ترك الشاة وانطلق مبتعداً مقهوراً ، ثم أقعى ونظر إلى
الراعي فقال :


ها أنت قد استنقذتها مني ، وسلبتني إياها ، فمن لها يومَ السبُع؟ !! يومَ
السبُع ؟!! وما أدراك ما يومُ السبُع ِ؟!! إنه يوم في علم الغيب ، في
مستقبل الزمان حيث تقع الفتن ، ويترك الناس أنعامهم ومواشيهم ، يهتمون
بأنفسهم ليوم جلل ، ويهملونها ، فتعيث السباع فيها فساداً ، لا يمنعها
منها أحد . .. ويكثر الهرج والمرج ، ويستحر القتل في البشر ، وهذا من
علائم الساعة .


قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متعجبين من هذه القصة ، ومِن حديث
الذئب عن أحداث تقع في آخر الزمان ، ومن فصاحته ، هذا العجب بعيد عن
التكذيب ، وحاشاهم أن يُكذّبوا رسولهم !! فهو الصادق المصدوق ، لكنهم
فوجئوا بما لم يتوقعوا ، فكان هذا الاستفهام والتعجّبُ وليدَ المفاجأة
لأمر غير متوقّع :


إنك يا سيدنا وحبيبنا صادق فيما تخبرنا ، إلا أن الخبر ألجم أفكارنا ، وبهتَنا فكان منا العجب .


فيؤكد رسولً الله صلى الله عليه وسلم حديثَ الذئب قائلاً :


أنا أومن بهذا ... هذا أمر عاديّ ،فالإنسانُ حين يسوق خبراً فقد تأكد منه
، أما حين يكون نبياَ فإن دائرة التصديق تتسع لتشمل المصدر الذي استقى منه
الرسول الكريمُ هذه القصة ، إنه الله أصدق القائلين سبحانه جلّ شأنُه .


ويا لجَدَّ الصديق والفاروق ، ويا لَعظمة مكانتهما عند الله ورسوله ، إن
الإنسان حين يحتاج إلى من يؤيدُه في دعواه يستشهد بمن حضر الموقعة ،
ويعضّد صدقَ خبره بتأييده ومساندته وهو حاضر معه . لكنّ رسول الله صلى
الله عليه وسلم المؤمن بعِظَم يقين الرجلين العظيمين ، وشدّة تصديق
الوزيرين الجليلين أبي بكر وعمر له يُجملهما معه في الإيمان بما يقول ،
ولِمَ لا فقد كشف الله لهما الحُجُبَ ، فعمَر الإيمانُ قلبيهما وجوانحهما
، فهما يعيشان في ضياء الحق ونور الإيمان . فكانا نعم الصاحبان ، ونعم
الأخوان ، ونعم الصديقان لحبيبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يريان
ما يرى ، ويؤمنان بما يقول عن علم ويقين ، لا عن تقليد واتباع سلبيّ.


فأبو بكر خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صدّقه حين كذّبه
الناسُ ، وواساه بنفسه وماله ، ويدخل الجنة من أي أبوابها شاء دون حساب ،
وفضلُه لا يدانيه فضلٌ .


والفاروق وزيره الثاني ، ولو كان بعد الرسول صلى الله عليه وسلم نبيٌّ
لكان عمر . أعزّ اللهُ بإسلامه دينه ، ولا يسلك فجاً إلا سلك الشيطان
فجّاً غيره .


كانا ملازمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وكثيراً ما كان عليه الصلاة والسلام يقول :


ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر .


فطوبى لكما يا سيّديّ ثقةَ رسول الله بكما ، وحبَّه لكما ، حشرنا الله معكما تحت لواء سيد المرسلين وخاتم النبيين .


وأتـْبَعَ الرسولُ الكريمُ صلى الله عليه وسلم قصةَ الراعي والذئب بقصة البقرة وصاحبها ، فقال :


وبينما رجل يسوق بقرة – والبقر للحَلْب والحرْث وخدمة الزرع – امتطى ظهرها
كما يفعل بالخيل والبغال والحمير ، فتباطأَتْ في سيرها ، فضربها ،
فالتفتَتْ إليه ، فكلّمَتْه ، فقالت: إني لم أُخلقْ للركوب ، إنما خلقني
الله للحرث ، ولا يجوز لك أن تستعملني فيما لم أُخلقْ له .


تعجّب الرجل من بيانها وقوّة حجتها ، ونزل عن ظهرها ...


وتعجب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: سبحان الله ، بقرةٌ تتكلم ؟!


قالوا هذا ولمّا تزل المفاجأة الأولى في نفوسهم ، لم يتخلّصوا منها ...
فأكد القصة َ رسول ُ الله صلى الله عليه وسلم حين أعلن أنه يؤمن بما يوحى
إليه ، وأن الصدّيق والفاروقَ كليهما – الغائبَين جسماً الحاضرَين روحاً
وقلباً وفكراً يؤمنان بذلك .


رضي الله عنكما أيها الطودان الشامخان ، وهنيئاً لكما حبّ ُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لكما وحبُّكما إياه .


اللهمّ إننا نحب رسول الله وأبا بكر وعمر ، فارزقنا صحبة رسول الله وأبي بكر وعمر ، يا رب العالمين ....


البخاري مجلد – 2


جزء – 4


كتاب بدء الخلق ، باب فضائل الصديق وعمر




.................................................. ........................




القصة الثانية






- قال الأب : سمعتك يا بني أمسِ تقول
لوالدتك : أنا خير من سعيد ، حفظ الآيات المطلوب حفظها في ثلاثة أيام ،
وحفظتها في يوم واحد ، فأنا أكثر ذكاءٍ منه .


- قال الولد : نعم يا أبي ، لقد قلت هذا .. فهل تراني أخطات ، ولم أتعدّ الحقيقة ؟


- قال الأب : وقلتَ مرة : إن والدك مدرّس قدير ، ينظر الناس إليه باحترام
وتقدير ، أما خالد فوالده عامل في متجر جدك ... أليس كذلك ؟.


- قال الولد : بلى ، لا أنكر ذلك ..فهل من مأخذ عليّ ؟.


- قال الأب : إن قلتَ هذا من قبيل الفخر بنفسك ، والتعالي على الآخرين
قاصداً الحطّ من الناس والترفـّع عليهم فقد أقحمتَ نفسَك في النار – لا
سمح الله - دون أن تدري ، فإنّ أحدنا يتلفّظ بالكلمة لا يلقي لها بالاً
تقذفه في جهنّم سبعين خريفاً .


- قال الولد : أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ، وأستغفر الله أن أقول ما يغضبه .


- قال الأب : إنّ الإعجاب بالنفس والأهل وكثرة المال وجمال الثياب وبهاء
المظهر ، والتفاخر بكثرة العبادة يهلك الإنسان .. والعُجْب يا بنيّ محبط
للأعمال ، مبعد عن الجنّة ونعيمها ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "
لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبْر ..." ووضح معنى الكبر
فقال : " الكبْر بطر الحق ، وغمط الناس " والغمط الاحتقار والازدراء .
وقال عليه الصلاة والسلام " ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عُتـُلٍ جوّاظ
مستكبر " (والعتل : الفظ الغليظ ، والجواظ : الجَموعُ المنوعُ : وقيل
المختال في مشيته .) وكان الأولى بك - يا بنيّ – أن تحمد الله أنْ يسّر لك
حفظ الآيات القرآنية ، وأن تشكره بالتواضع ... فإن كان أبوك في نظرك ونظر
الناس خيراً من غيره فقد يكون في ميزان الله – نسأل الله العافية – أقلَّ
بكثير ممن رأيته خيراً منهم .. وقد مدح قومٌ الصدّيقَ رضي الله عنه فقال
قولتَه المشهورة : " اللهم اجعلني خيراً مما يظنون ، واغفر لي ما لا
يعلمون " .


- قال الولد : جزاك الله خيراً يا والدي ومعلّمي ، والله ما كان يخطر
ببالي أنني أُغضب الحقّ تبارك وتعالى ، وأعاهدك أنْ لا أعود إلى ذلك أبداً
.


- قال الأب : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصّ على الصحابة الكرام
عاقبةَ مَن يُعجب بنفسه ، فيوردها موارد الهلاك ... وسأذكر لك ثلاثاً منها
، عساها تكون إشاراتٍ حمراء تمنع صاحبها أن يقع في شرّ ما يفكر به ويعمله .




أما القصة الأولى :


فقصة رجل رأى نفسه فوق الآخرين مالاً وجمالاً وحلّةً ... مشى بين أقرانه
مختالاً بثوبه النفيس ، وشبابه الدافق حيويّة ، وجيبه المليء المنتفخ
مالاً ، تفوح نرجسيّتُه وحبُّ ذاته في الطريقة التي يمشيها ، فهو يمدّ
صدره للأمام ، ويفتح ما بين إبطيه ، لا يكاد الطريق يسعُه ، يميل بوجهه
إلى اليمين مرّة ، وإلى اليسار أُخرى متعجّباً من جِدّة ثوبه ، وغلاء ثمنه
، يجر رداءَه خيَلاءَ ، يظن نفسه خيرَ مَن وطِئ الثرى ، يكادُ لا يلمس
الأرض من خفّته ، يحسب أن العَظَمة إنما تكون بالمادّة والمظهر ، ونسي
أنها لا تكون إلا بحسن الأخلاق ونفاسة المخبَر ، وغفَل عن قوله تعالى : "
ولا تمْشِ في الأرض مَرَحاً ، إنك لن تخرِق الأرضَ ولن تبلُغ الجبالَ
طولاً " وتناسى أنه مخلوق ضعيف ، أصلُه من طين ، ومن سُلالة من ماء مَهين
. تناسى أنّ أوّله نطفة مَذِرَةٌ ، وآخرَه جيفةٌ قذرةٌ ، وهو بينهما يحمل
العَذَرةَ ... وتناسى أنّه حين صعّر خدّه للناس غضب الله عليه ، لأنه شارك
الله في صفتين لا يرضاهما لغيره ، حين قال تعالى " العَظَمةُ إزاري ،
والكبرياءُ ردائي ، فمن نازعني فيهما قصمت ظهره ولا أُبالي " بل تناسى
كذلك أنه سيصير إلى قبره ، حيث يأكله الدود في دار الوَحشة والطُّلمة ، لا
أنيس فيها سوى التقوى والتواضع . وغفَل أيضاً عن مصير الجبّارين
المتغطرسين قبله . وقصّة قارون الذي خسف الله تعالى به الأرض قرآن يُتلى .


وقد أخبرنا الرسول الكريم أن هذا الرجل المتكبر خسف الله به الأرض ، فهو
يغوصُ في مجاهلها من شِقٍّ إلى شقّ ، ومن مَهوىً ضيّق غلى حفرة أعمقَ منها
، ينزل فيها مضطرباً مندفعاً ، تصدُر عن حركته أصواتٌ متتابعةٌ إلى يوم
القيامة جزاءَ تعاظمه وتكبّره ... ثم قال الرسول عليه الصلاة والسلام "
إنّ الله أوحى إليّ أنْ تَواضعوا ، حتى لا يبغيَ أحدٌ على أحدٍ ، ولا
يفخرَ أحدٌ على أحدٍ . "


الحديث في صحيح البخاري


مجلد 4 جـ 7 باب من جر ثوبه خيلاء



وأما القصة الثانية :
فقد ذكر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن رجلين من بني إسرائيل كانا
متآخيين إلا أنهما يختلفان في العبادة ، فالأول مجتهد فيها ، يصلُ قيام
الليل بصيام النهار ، لا يألو في الاستزادة منها .. يرى صاحبه مقصّراً ،
بل مذنباً مصرّاً على المعاصي ، فيأمره بالعبادة ، وينهاه عن المعصية ،
ولربّما وجده يوماً يشرب الخمر أو يرتكب معصية ، فنهاه عنها ، وهذا أمر
يتصف به المسلم ، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وهكذا الدعاة دائماً "
كنتم خير أمة أُخرجتْ للناس ، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ... " ..
" ولْتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ، ويامرون بالمعروف ، وينهَوْنَ عن
المنكر " إلا أن الإنسان حين يتجاوز حدّه ويتألّى على الله فقد أساء إلى
الذات الإلهيّة ، ووقع في غضب الله دون أن يدري ، فكانت عاقبته خسراً .
إن العاصي حين أمره العابد أن يفعل الخير ، ونهاه عن المنكر قال له : "
خَلّني وربي .. أبُعِثْتَ عليّ رقيباً ؟! " ... هنا نلحظ أمرين اثنين :
1- فقد كان المذنب مصراً على الذنب ، عاكفاً عليه ، متبرّماً من متابعة العابد له بالنصح والمتابعة .
2- وكان أسلوب العابد في النصح فظاً غليظاً أدّى إلى تحدّي العاصي له .
والداعية الناجحُ هيّن ليّن ، رفيق بالمذنبين ، يعاملهم معاملة الطبيب
الحاني مرضاه ، فيمسح عنهم تعبهم ، ويخفف عنهم آلامهم ، فيدخل إلى قلوبهم
، وينتزع منهم أوصابهم .....
احتدّ العابد من إصرار العاصي على ذنبه ، فاندفع يُقسم : أنّ الله لن يغفر
له ، ولن يرحمه ، ولن يُدخله الجنّةَ .... فيقبض الله روحيهما ، فاجتمعا
عند رب العالمين ، ،، ويا خسارة من يغضب الله عليه ، إن العابد نزع عن
الله صفة الرحمة ، وصفة الغفران ، حين أقسم أن الله لن يغفر للعاصي ...
قال الله لهذا المجتهد : أكنتَ بي عالماً ؟ أو كنت على ما في يدي قادراً ؟
لأُخيّبَنّ ظنّك ، فأنا أفعل ما أشاء ... وقال للمذنب اذهب فادخل الجنّة
برحمتي ... إن الناس جميعاً ، صالحَهم وطالحَهم ، عابدهم وعاصيهم ، لن
يوفـّوا الله نعمه ، وحين يدخلون الجنّة يدخلونها برحمته . .. قالها رسولُ
الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا له : حتى أنت يا رسول الله ؟ قال : "
حتى أنا إلاّ أن يتغمدَنيَ اللهُ برحمته "
وقال الله تعالى للآخر(للعابد) المتألّي على الله : اذهبوا به إلى النار ... لقد لفظ كلمة أهلكته فدخل النار ولم تنفعه عبادته .
رياض الصالحين باب تحقير المسلمين الحديث/ 1210 /

وأما القصة الثالثة :
فهي رديف المعنى في القصة الثانية ، إذ افتخر رجل أمام رسول الله صلى الله
عليه وسلم على رجل ، فقال : أنا ابن فلان ، فمن أنت؟ لا أمّ لك . فردّه
المعلّم الأول صلى الله عليه وسلّم إلى الصواب بطريقة غير مباشرة ، إذ روى
الحبيب المصطفى قصة مشابهة لقصتهما حدثت أما النبي موسى عليه السلام بين
رجلين . فقد فَخَر الرجل الأول بآبائه فقال : أنا ابن فلان بن فلان .. حتى
عدّ تسعة آباء ، لهم بين يدَيِ الناس في حياتهم المكانةُ الساميةُ غنىً
ونسباً ومكانةً .. فمن أنت حتى تطاولني وتكون لي نَدّاً ؟! .
لو انتبه إلى مصير أبائه وأجداده لم يفخر بهم ، إنهم كانوا كفـّاراً
يعبدون الأصنام ويتخذونها آلهة. والله تعالى يقول لأمثال هؤلاء: " إنكم
وما تعبدون من دون الله حصَبُ جهنّم ، أنتم لها واردون " .. لم يدخل
الإيمان قلبَه فدعا بدعوى الجاهلية ، وفضّل أهلَ النار – ولو كانوا
أجدادَه – على أخيه المسلم ، فكان مصيرُه مصيرَهم إذ أوحى الله إلى نبيّه
موسى أن يقول له : أما أنت أيها المنتسب إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم
،لأن المرء يُحشر مع من أحبّ . وقال الثاني : أنا فلان بن فلان بن الإسلام
.. فخر بأبيه الذي رباه على الإسلام ، وقطع نسبه قبل أبيه ، فلم يفخر بجده
الكافر ، ولم يعترف به ، فلا جامع يجمعه به .
أبي الإسلامُ لا أبَ لي سواه *** إذا افتخروا بقيس أو تميم
هل يلتقي الكفر بالإيمان والظلام بالضياء في قلب واحد؟! شتّان شتّان ، فلن
يعلوَ الإنسانُ بنسبه ، ويوم القيامة لا ينفعه سوى عمله " فإذا نُفخ في
الصور فلا أنسابَ بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون " وقال تعالى كذلك " إن
أكرمكم عند الله أتقاكم " وهل ينفع نوحٌ ابنَه ؟ وإبراهيمُ أباهُ ، ورسولُ
الله عمَّه أبا لهب ؟ ..
فأوحى الله إلى نبيّه موسى أن يهنئه بالفوز والنجاح حين قال : أما أنت
أيها المنتسب إلى والدك المسلم ودينك العظيم فأنت من أهل الجنّة . تعصّبتَ
إلى دينك ، وتشرفتَ بالانتساب إليه فأنت منه ، وهو منك .
مسند الإمام أحمد جزء 5 ص 128


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر
Anonymous



قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم   قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم I_icon_minitimeالجمعة فبراير 15, 2008 8:28 am




القصة الثانية


- قال الأب : سمعتك يا بني أمسِ تقول
لوالدتك : أنا خير من سعيد ، حفظ الآيات المطلوب حفظها في ثلاثة أيام ،
وحفظتها في يوم واحد ، فأنا أكثر ذكاءٍ منه .
- قال الولد : نعم يا أبي ، لقد قلت هذا .. فهل تراني أخطات ، ولم أتعدّ الحقيقة ؟
- قال الأب : وقلتَ مرة : إن والدك مدرّس قدير ، ينظر الناس إليه باحترام
وتقدير ، أما خالد فوالده عامل في متجر جدك ... أليس كذلك ؟.
- قال الولد : بلى ، لا أنكر ذلك ..فهل من مأخذ عليّ ؟.
- قال الأب : إن قلتَ هذا من قبيل الفخر بنفسك ، والتعالي على الآخرين
قاصداً الحطّ من الناس والترفـّع عليهم فقد أقحمتَ نفسَك في النار – لا
سمح الله - دون أن تدري ، فإنّ أحدنا يتلفّظ بالكلمة لا يلقي لها بالاً
تقذفه في جهنّم سبعين خريفاً .
- قال الولد : أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ، وأستغفر الله أن أقول ما يغضبه .
- قال الأب : إنّ الإعجاب بالنفس والأهل وكثرة المال وجمال الثياب وبهاء
المظهر ، والتفاخر بكثرة العبادة يهلك الإنسان .. والعُجْب يا بنيّ محبط
للأعمال ، مبعد عن الجنّة ونعيمها ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "
لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبْر ..." ووضح معنى الكبر
فقال : " الكبْر بطر الحق ، وغمط الناس " والغمط الاحتقار والازدراء .
وقال عليه الصلاة والسلام " ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عُتـُلٍ جوّاظ
مستكبر " (والعتل : الفظ الغليظ ، والجواظ : الجَموعُ المنوعُ : وقيل
المختال في مشيته .) وكان الأولى بك - يا بنيّ – أن تحمد الله أنْ يسّر لك
حفظ الآيات القرآنية ، وأن تشكره بالتواضع ... فإن كان أبوك في نظرك ونظر
الناس خيراً من غيره فقد يكون في ميزان الله – نسأل الله العافية – أقلَّ
بكثير ممن رأيته خيراً منهم .. وقد مدح قومٌ الصدّيقَ رضي الله عنه فقال
قولتَه المشهورة : " اللهم اجعلني خيراً مما يظنون ، واغفر لي ما لا
يعلمون " .
- قال الولد : جزاك الله خيراً يا والدي ومعلّمي ، والله ما كان يخطر
ببالي أنني أُغضب الحقّ تبارك وتعالى ، وأعاهدك أنْ لا أعود إلى ذلك أبداً
.
- قال الأب : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصّ على الصحابة الكرام
عاقبةَ مَن يُعجب بنفسه ، فيوردها موارد الهلاك ... وسأذكر لك ثلاثاً منها
، عساها تكون إشاراتٍ حمراء تمنع صاحبها أن يقع في شرّ ما يفكر به ويعمله .

أما القصة الأولى :
فقصة رجل رأى نفسه فوق الآخرين مالاً وجمالاً وحلّةً ... مشى بين أقرانه
مختالاً بثوبه النفيس ، وشبابه الدافق حيويّة ، وجيبه المليء المنتفخ
مالاً ، تفوح نرجسيّتُه وحبُّ ذاته في الطريقة التي يمشيها ، فهو يمدّ
صدره للأمام ، ويفتح ما بين إبطيه ، لا يكاد الطريق يسعُه ، يميل بوجهه
إلى اليمين مرّة ، وإلى اليسار أُخرى متعجّباً من جِدّة ثوبه ، وغلاء ثمنه
، يجر رداءَه خيَلاءَ ، يظن نفسه خيرَ مَن وطِئ الثرى ، يكادُ لا يلمس
الأرض من خفّته ، يحسب أن العَظَمة إنما تكون بالمادّة والمظهر ، ونسي
أنها لا تكون إلا بحسن الأخلاق ونفاسة المخبَر ، وغفَل عن قوله تعالى : "
ولا تمْشِ في الأرض مَرَحاً ، إنك لن تخرِق الأرضَ ولن تبلُغ الجبالَ
طولاً " وتناسى أنه مخلوق ضعيف ، أصلُه من طين ، ومن سُلالة من ماء مَهين
. تناسى أنّ أوّله نطفة مَذِرَةٌ ، وآخرَه جيفةٌ قذرةٌ ، وهو بينهما يحمل
العَذَرةَ ... وتناسى أنّه حين صعّر خدّه للناس غضب الله عليه ، لأنه شارك
الله في صفتين لا يرضاهما لغيره ، حين قال تعالى " العَظَمةُ إزاري ،
والكبرياءُ ردائي ، فمن نازعني فيهما قصمت ظهره ولا أُبالي " بل تناسى
كذلك أنه سيصير إلى قبره ، حيث يأكله الدود في دار الوَحشة والطُّلمة ، لا
أنيس فيها سوى التقوى والتواضع . وغفَل أيضاً عن مصير الجبّارين
المتغطرسين قبله . وقصّة قارون الذي خسف الله تعالى به الأرض قرآن يُتلى .

وقد أخبرنا الرسول الكريم أن هذا الرجل المتكبر خسف الله به الأرض ، فهو
يغوصُ في مجاهلها من شِقٍّ إلى شقّ ، ومن مَهوىً ضيّق غلى حفرة أعمقَ منها
، ينزل فيها مضطرباً مندفعاً ، تصدُر عن حركته أصواتٌ متتابعةٌ إلى يوم
القيامة جزاءَ تعاظمه وتكبّره ... ثم قال الرسول عليه الصلاة والسلام "
إنّ الله أوحى إليّ أنْ تَواضعوا ، حتى لا يبغيَ أحدٌ على أحدٍ ، ولا
يفخرَ أحدٌ على أحدٍ . "
الحديث في صحيح البخاري
مجلد 4 جـ 7 باب من جر ثوبه خيلاء

وأما القصة الثانية :
فقد ذكر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن رجلين من بني إسرائيل كانا
متآخيين إلا أنهما يختلفان في العبادة ، فالأول مجتهد فيها ، يصلُ قيام
الليل بصيام النهار ، لا يألو في الاستزادة منها .. يرى صاحبه مقصّراً ،
بل مذنباً مصرّاً على المعاصي ، فيأمره بالعبادة ، وينهاه عن المعصية ،
ولربّما وجده يوماً يشرب الخمر أو يرتكب معصية ، فنهاه عنها ، وهذا أمر
يتصف به المسلم ، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وهكذا الدعاة دائماً "
كنتم خير أمة أُخرجتْ للناس ، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ... " ..
" ولْتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ، ويامرون بالمعروف ، وينهَوْنَ عن
المنكر " إلا أن الإنسان حين يتجاوز حدّه ويتألّى على الله فقد أساء إلى
الذات الإلهيّة ، ووقع في غضب الله دون أن يدري ، فكانت عاقبته خسراً .
إن العاصي حين أمره العابد أن يفعل الخير ، ونهاه عن المنكر قال له : "
خَلّني وربي .. أبُعِثْتَ عليّ رقيباً ؟! " ... هنا نلحظ أمرين اثنين :
1- فقد كان المذنب مصراً على الذنب ، عاكفاً عليه ، متبرّماً من متابعة العابد له بالنصح والمتابعة .
2- وكان أسلوب العابد في النصح فظاً غليظاً أدّى إلى تحدّي العاصي له .
والداعية الناجحُ هيّن ليّن ، رفيق بالمذنبين ، يعاملهم معاملة الطبيب
الحاني مرضاه ، فيمسح عنهم تعبهم ، ويخفف عنهم آلامهم ، فيدخل إلى قلوبهم
، وينتزع منهم أوصابهم .....
احتدّ العابد من إصرار العاصي على ذنبه ، فاندفع يُقسم : أنّ الله لن يغفر
له ، ولن يرحمه ، ولن يُدخله الجنّةَ .... فيقبض الله روحيهما ، فاجتمعا
عند رب العالمين ، ،، ويا خسارة من يغضب الله عليه ، إن العابد نزع عن
الله صفة الرحمة ، وصفة الغفران ، حين أقسم أن الله لن يغفر للعاصي ...
قال الله لهذا المجتهد : أكنتَ بي عالماً ؟ أو كنت على ما في يدي قادراً ؟
لأُخيّبَنّ ظنّك ، فأنا أفعل ما أشاء ... وقال للمذنب اذهب فادخل الجنّة
برحمتي ... إن الناس جميعاً ، صالحَهم وطالحَهم ، عابدهم وعاصيهم ، لن
يوفـّوا الله نعمه ، وحين يدخلون الجنّة يدخلونها برحمته . .. قالها رسولُ
الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا له : حتى أنت يا رسول الله ؟ قال : "
حتى أنا إلاّ أن يتغمدَنيَ اللهُ برحمته "
وقال الله تعالى للآخر(للعابد) المتألّي على الله : اذهبوا به إلى النار ... لقد لفظ كلمة أهلكته فدخل النار ولم تنفعه عبادته .
رياض الصالحين باب تحقير المسلمين الحديث/ 1210 /

وأما القصة الثالثة :
فهي رديف المعنى في القصة الثانية ، إذ افتخر رجل أمام رسول الله صلى الله
عليه وسلم على رجل ، فقال : أنا ابن فلان ، فمن أنت؟ لا أمّ لك . فردّه
المعلّم الأول صلى الله عليه وسلّم إلى الصواب بطريقة غير مباشرة ، إذ روى
الحبيب المصطفى قصة مشابهة لقصتهما حدثت أما النبي موسى عليه السلام بين
رجلين . فقد فَخَر الرجل الأول بآبائه فقال : أنا ابن فلان بن فلان .. حتى
عدّ تسعة آباء ، لهم بين يدَيِ الناس في حياتهم المكانةُ الساميةُ غنىً
ونسباً ومكانةً .. فمن أنت حتى تطاولني وتكون لي نَدّاً ؟! .
لو انتبه إلى مصير أبائه وأجداده لم يفخر بهم ، إنهم كانوا كفـّاراً
يعبدون الأصنام ويتخذونها آلهة. والله تعالى يقول لأمثال هؤلاء: " إنكم
وما تعبدون من دون الله حصَبُ جهنّم ، أنتم لها واردون " .. لم يدخل
الإيمان قلبَه فدعا بدعوى الجاهلية ، وفضّل أهلَ النار – ولو كانوا
أجدادَه – على أخيه المسلم ، فكان مصيرُه مصيرَهم إذ أوحى الله إلى نبيّه
موسى أن يقول له : أما أنت أيها المنتسب إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم
،لأن المرء يُحشر مع من أحبّ . وقال الثاني : أنا فلان بن فلان بن الإسلام
.. فخر بأبيه الذي رباه على الإسلام ، وقطع نسبه قبل أبيه ، فلم يفخر بجده
الكافر ، ولم يعترف به ، فلا جامع يجمعه به .
أبي الإسلامُ لا أبَ لي سواه *** إذا افتخروا بقيس أو تميم
هل يلتقي الكفر بالإيمان والظلام بالضياء في قلب واحد؟! شتّان شتّان ، فلن
يعلوَ الإنسانُ بنسبه ، ويوم القيامة لا ينفعه سوى عمله " فإذا نُفخ في
الصور فلا أنسابَ بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون " وقال تعالى كذلك " إن
أكرمكم عند الله أتقاكم " وهل ينفع نوحٌ ابنَه ؟ وإبراهيمُ أباهُ ، ورسولُ
الله عمَّه أبا لهب ؟ ..
فأوحى الله إلى نبيّه موسى أن يهنئه بالفوز والنجاح حين قال : أما أنت
أيها المنتسب إلى والدك المسلم ودينك العظيم فأنت من أهل الجنّة . تعصّبتَ
إلى دينك ، وتشرفتَ بالانتساب إليه فأنت منه ، وهو منك .
مسند الإمام أحمد جزء 5 ص 128

.................................................. ............................



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر
Anonymous



قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم   قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم I_icon_minitimeالجمعة فبراير 15, 2008 8:29 am





القصة الرابعة

إني بحاجة إلى ألف دينار عدّاً ونقداً ،كي أدفع
ثمن الثياب لذلك التاجر الذي ابتعتها منه ، ولا أستطيع الاعتذار ، فالبائع
بعيد على الشاطئ الآخر من البحر ، وهو يعرفني أفي بالعهد ، صادقاً ، لا
أكذب الحديث ... إنه ينتظر في بلدته ، والسفينة ستقلع غداً صباحاً ، فماذا
أفعل يا رب ، كنت أعتقد أن المال بحوزتي ، فإذا به أقل مما توقعت ، بعت
حُلِيَّ زوجتي وبنتيّ ، واستغنيت عن بعض الأساسيات ، وما زال ينقصني ألف
دينار ، من أين آتي بها؟ اللهم يسّرْ وأعنْ .. إنني أعرف أن الحاضرين من
أهلي وأصدقائي لا يملكون مثل هذا المبلغ ، وسؤالي إياهم يُخجلهم ، ويخجلني
، فما اعتدت أن أسألهم لعلمي بحالهم ، وسيشعرون بالحرج إذا قصدتهم .. ماذا
أفعل يا إلهي ؟!! لا بد من تيسير الله تعالى .. اللهم اجعل لي من أمري
فرجاً .
آه ، تذكرت... إن عبد الله تاجر كبير في البلدة المجاورة ، يحب الخير
ويسعى فيه ، ولعلني إن قصدته لا يخيب فيه أملي ... ولكنّ علاقتنا بسيطة لا
تتعدّى السلام والتحية . .. إلا أنه والحق يُقال شهم يلبي ذا الحاجة
والمعسر ،وأنا محتاج ومعسر . فلْأذهب إليه ، لا تثريب عليّ إن عدْت من
عنده خاليَ الوفاض ، لم أنلْ بغيتي ، إنما عليّ أن أبذل جهدي ، وعلى الله
تعالى تدبيرُ الأمور ، وإن نلتُ منه حاجتي ، فقد سهّل الله أمري ... إذاً
لا وقت للتردد يا يوسف ، فهيّا إلى ذلك الرجل الفاضل ، علّ الله يجعل
التيسير على يديه .
السلام عليكم يا عبد الله ورحمة الله وبركاته .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، أهلاً وسهلاً يا أخُ يوسف ، ما هذه
المفاجاة الطيبة؟ تزورني أول مرة في داري ؟ أهلاً بك وسهلاً ، مقدَمُ خير
وبركة ...
كان استقباله طيباً ، والابتسامة لا تفارق مُحيّاه ، بسط لي من القول
وأكرمني غاية الإكرام ، ثم سألني حاجتي ، فزيارتي الأولى له الليلة تنمّ
عن حاجة ولهفة في الإسراع إلى قضائها . وصدق حدسُ الرجل ،،، وتلعثمتُ أول
الأمر ، فقد كان من المروءة زيارته دون الحاجة إليه ،،، ولا بد من الإفصاح
عما في جَعبتي ، فسألته أن يسلفني ألف دينار ....
قال : على الرحب والسَّعة ، إن زيارتك توجب حسن القيام بواجبي ، فضلاً عن
كونك تاجراً معروفاً بالصدق والأمانة ، ولو أرسلت رسولك دون تجشم العناء
لكنت عند حسن ظنك بي ، ولكن زارتنا البركة بمجيئك .
شكرت له حسن استقباله ، ومروءتَه التي طبّقت الآفاق . ثم قال لي : أنا لا
أشك في صدقك وحسن أدائك الأمانة ، لكنّ الله تعالى أمرنا أن نُشهد على
معاملاتنا التجارية فقال: " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل
مسمىً فاكتبوه ..... واستشهدوا شهيدين من رجالكم " وشرْعُ الله أولى أن
يُتّبع ، فهو أحفظ للحقوق ، وأدعى إلى الالتزام بها ، يريح النفس ، ويُبقي
على الود والمحبة .
قلت : هذا أمر لا أنكره ، وحق لا أماري فيه . ، لكن العجلة وضيقَ الوقت
أنسياني ذلك ، وليس في هذه البلدة من يعرفني فيكفلني . والسفينة تنطلق
غداً من المرفأ إلى الطرف الآخر ، والزمن يتسارع ، فهل تقبل أن يكون الله
تعالى شهيداً بيني وبينك ؟
قال على فوره : كفى بالله شهيداً .
أردفتُ : ألا ترضى أن يكون الله لي كفيلاً ؟.
قال : كفى بالله كفيلاً ....
قلت : فأنا أُشهد الله تعالى أن أرد لك المبلغ في حينه .. ولعل الله تعالى يعرف صدق نيّتي ، فيعينني على أداء فضلك وعونك .
فدفع المال إليّ على أن أرده في الأجل المسمّى الذي ضربتُه ، وانطلقت إلى
السفينة التي حملتني إلى الشاطئ الآخر ، ولم تمضِ أيام حتى قضيت حاجتي ،
وبعت واشتريتُ ، فرزقني الله تعالى رزقاً طيّباً وفيراً .
وكان لا بد أن أشكر الله على فضله ومَنّه وكرمه ، ولا يكون الشكر إلا برد
الحقوق إلى أصحابها ، وشكرهم على معروفهم ، فقديماً قالوا : من لا يشكرِ
الناس لا يشكرِ الله .
وقفت على الشاطئ ألتمس مركباً يعود بي إلى الضفة الأخرى ، فلم أجد . وسألت
عن طريقة أصل بها إلى الرجل الفاضل الذي أغاثني في الوقت الذي وعدته أنْ
أفيَه . فلم أجد . لا بد أن أفعل شيئاً يرضي الله تعالى فهو الشهيد علي ،
وهو سبحانه كفيلي .. يا رب يسر أداء ديني واجعلني من المقبولين لديك ،
هاأنذا ضاقت بي الحيلة ، وأنت حسبي ، وعوني . ..
إن إخلاص المرء لله وصدقه في التوجه إليه يرضيه سبحانه ، ويُرضي الناس عنه
. وأنا راغب في إيفاء الرجل حقه والتزامي بعهدي إياه .. فيا رب أنت الشهيد
، وأنت يارب الكفيل ، توجهت إليك ربِّ ، فاهدني إلى قضاء ديني ، واحفظ
عليّ ماء وجهي .
وأراد الله سبحانه أن أفي بعهدي ولا أخفر ذمتي ، فألهمني أن آخذ خشبة
كبيرة ، فنقرت فيها جوفاً يتسع لألف دينار وضعتها فيه ، وكتبت رسالة إلى
صاحبي أعتذر فيها عن حضوري مع الوديعة ، وأشكره على شهامته ونجدته ، ثم
سوّيتُ موضع الحفر وسدَدْتُه بإحكام تام ، وأتيت بها إلى البحر .
لئن يكن في قابل الأيام مصارف منبثة في أرجاء المعمورة تسهل المعاملات
التجارية ، أو وسائل اتصال يبدي بها المرء عذره ، إن الحاضر بدائي ليس فيه
شيء من هذا .
ولو كان معي رجل يرى ما أفعل لقال : إنني مغفل معتوه . كيف أدفع المال
الذهبي – وهو ثقيل – في جوف شجرة كبيرة ، قد تنحرف يميناً أو شمالاً فتعلق
في غابة مرجانية ، أو تغوص في دوّامة مائية فتنشقّ، أو تصطدم بصخرة قوية
فتتفتّت ، وتتناثر الدنانير في الماء ... وهل تصل إلى صاحبها ؟ هل من
المعقول ذلك وآلاف الناس على البحر ، إن أخذها أحدهم لم يدّع الآخرون أنها
لهم ، ولماذا يدّعون وهي لا تصلح لشيء ؟!
لكنني أشهدْت اللهَ ، وجعلتُه عليّ كفيلاً ، ورضي الرجل بشهادة الله
وكفالته . ويقيني أنه سبحانه سيوصلها إليه . .. يا رب ؛ إنك تعلم ما جرى
بيني وبين الرجل ، وإني جهدتُ أن أرى مركباً يوصلني إليه ، أو يوصل إليه
الأمانة ، فلم أقدر ، وإني أستودعكها ...
ورميتُ الخشبة في البحر ، حتى غابت فيه ، ثم رحتُ أبحث عن أول مركب يوصلني إلى مدينتنا على الشاطئ الآخر ..
خرج التاجر عبد الله في الوقت المحدد الذي اتفقا عليه ينتظر مركباً يصل
يوسف على متنه فيتلقّاه ويهنئه على سلامة الوصول ، ويسترد ألف الدينار ،
أو يرى سفينة يحمل ربانُها المال من يوسف ، ولكنه لم يجد أحداً .. ورأى
خشبة قذفتها الأمواج إلى البابسة ، لمّا تجف ، فأعجبه حجمها ، فأخذها
لأهله حطباً ، فلما نشرها وجد المال والرسالة ... ما أشد فرحته ، وما أعظم
سروروه !! كيف تسنّى ليوسف أن يفعل هذا ؟! وكيف تفتّق ذهنه عن هذه الحيلة
؟! لولا صدق إيمانه بالله ما فعل هذا ، ولولا حسن توكله على الله وثقته به
ما اطمأنّ إلى ما فعل . فقال : الحمد لله الذي -عرّفني عن تجربة - على
صديق وفي وأخ كريم . لأصاحبنّه وليكوننّ أخي ، فالأخ المؤمن سراج يضيء
حياة الآخرين بفيض من إيمان ....
ولك - يا رب – الشكر ، فأنت سبحانك نعم الشهيد ونعم الوكيل . لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيتَ على نفسك .
وقدم يوسف بعد مدة ، فانطلق فوراً إلى عبد الله ، وقدّم له الدنانير الألف معتذراً عن تأخره .
قال عبد الله : هل كنتَ بعثتَ إليّ بشيء ؟
ولعلّ عبد الله كان يظن أن يوسف لم يقدر أن يفي بوعده في الأجل المسمى ،
وأن الله تعالى – حين رضي به عبدُ الله شهيداً وكفيلاً – أمر أحد ملائكته
، ففعل ما وجده على الشاطئ .
فهو إن سأل يوسف ، فلم يلقَ جواباً أيقن أن الله قضى عنه ، وإن كان يوسف هو الفاعل ليتمسّكنّ بصحبته إلى الأبد كما قرر سابقاً .
فحدّثه يوسف بما فعل ، فقال عبد الله مطمئِناً إيّاه : فإن الله تعالى قد أدّى عنك الذي بعثتَ في الخشبة ، فانصرف بأموالك راشداً .

صحيح البخاري مج/2 ج /3
كتاب الإجارة ، باب الكفالة في القرض والديون

.................................................. .............................



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر
Anonymous



قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم   قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم I_icon_minitimeالجمعة فبراير 15, 2008 8:30 am




القصة الخامسة

قاربت الشمس على المغيب ، وبدأ الظلام يرسل أول خيط له مازج الضوء الباهت
الذي آذن بالرحيل ، وبدأت الأنسام الباردة تخترق ثياب هؤلاء النفرالثلاثة
الجادّين في السير ، يريدون أن يصلوا إلى أقرب مأوى يقضون فيه ليلتهم هذه
، ثم يتابعون رحلتهم إلى هدفهم .
كانوا بعيدين عن القرى مسافات كبيرة ، قدّروا أنهم لن يستطيعوا الوصولَ
إلى أوّلها إلا بعد ساعات من مسير ليليّ غير محمود العواقب ، فقد يقعون في
حفرة ، أو يدعمهم سيل جارف ، أو يَفجؤهم مطر منهمر ، أو وحوش كاسرة ....
والليل لا عيون له ، والنهار آمَنُ وآنَسُ. فليبحثوا إذاً عن أقرب مكان
يلوذون به ...
ولم يطل بهم البحث ، فعلى مدىً يسير منهم ظهرت فجوة ترتفع عما حولها
قليلاً ... فجدّوا السير إليها ، وكانت مناسبة لهم ، ما إن دخلوها حتى
شعروا بالدفء يسري في أوصالهم ، والهدوءِ يَحوطهم ، والعتَمة تزحف عليهم ،
فاستسلموا لنوم لذيذ . وما ألذّ النوم بعد التعب ، والسكونَ بعد الحركة
... وغرقوا في أحلام وردية ، وتخيّلوا أنفسهم في مرابعهم ، وبين أهليهم ،
ولم يشعروا بما كان خارج كهفهم من ريح اشتدّت حاملةً السحاب الماطر الذي
أغرق المكان حولهم ، وحفر تحت صخرة كبيرة كانت أعلى الكهف ، فتدحرجت
بكلكلها ، لتستقر على باب الكهف ، فتوقعَهم في مأزق لا خلاص منه إلا أن
يشاء الله .
بدأت الشمس ترسل أشعتها إلى الكهف من خلال فجَوات صغيرة تدغدغ النائمين ،
وتوقظهم برفق ولطف ، وكأنها تقول لهم : يكفيكم ما أنتم عليه من غفلة ،
قوموا لتبحثوا عن خلاص من هذه المصيبة التي حلّت ، لا تدرون ما الله فاعل
بكم إذا ثبتَتْ في مكانها ... هيا انهضوا فادفعوها ، واسألوا الله العون ،
والتمسوا رحمته .
إنهم يتحركون ، لقد شرَعت الحياة تدب فيهم ، فتمددت أوصالهم هنا وهناك
يمنة ويسْرة ، فحمد أولهم ربّه أن أحياه بعد ما أماته – ولمّا يقم – وشكر
الثاني ربّه على نعمة الأمن والأمان – ولمّا يفتحْ عينيه – وصلى الثالث
على موسى وهارون اللذَين هداه الله بهما بعد أن ذكر الله ونهض ... ولكن
أين النور المنبثق ؟ أين الضياء يملأ المكان؟ .. كلها تساؤلات فرضتْها
اللحظة التي رأى جوّ الكهف فيها خانقاً ... هيّا يا صاحبيّ ، أنا عاجز عن
فهم ما جرى ... نطقها سريعاً ، فقفزا فوراً كأنهما في سباق ، يستكشفان ما
حلّ بهم ، ويتعرّفان الموقف ، ففوجئا بما فوجئ به صاحبهما آنفاً .
اندفع أحدهما نحو الصخرة ليبعدها عن الباب ، فارتدّ خائباً ... عاود
الأمرَ فانتكس ، جرّب صاحباه ، فلم يُفلحا ، وأنّى لمخلوق ضعيف أن يزحزح
وتداً عظيماً من أوتاد الأرض ؟!
تكاتف الثلاثة وأجمعوا قوّتهم ، وهاجموا الصخرة بعنف ارتدّوا عنها بمثله ،
أو أشدّ . فلما يئسوا من زحزحتها ، ورأوا الموت المرعب يُطِلّ عليهم من
بين فروضها عادوا إلى أنفسهم يفكّرون ، وعن مخرج مما هم فيه يبحثون .
وشاء الله الرحيم بعباده أن ينجّيَهم ، فألهمهم الدعاء له ، والالتجاء
إليه . أليس سبحانه هو القائل : " وقال ربكم ادعوني أستجِبْ لكم "؟ ! ..
بلى والله .. يا من يجيب المضطر إذا دعاه ، ويكشف السوء ؛ نجِّنا برحمتك
يا أرحم الراحمين .
وبدا الثلاثة يجأرون بالدعاء ، وكانوا صالحين ، فهداهم الله أن يسألوه
بأفضل أعمالهم الخالصة لوجهه الكريم ، التي ليس فيها مُراءاة ، ولايبغون
بها سوى رضا الله وجنّته .
قال رجل منهم : كنت بارّاً بوالديّ ، أكرمهما ، وأفضّلهما على أولادي
وزوجتي ، وأجتهد في خدمتهما . وعرف أهلي فيّ ذلك فساعدوني . وكان من عادتي
أن أسقيهما الحليب عِشاءً قبل الجميع ، فتأخّرت مرة في حقلي ، أقلّم
الأشجار وأعتني بالزرع ، ثم رُحت أحلب غبوقهما ، وانطلقتُ أسقيهما ،
فوجدتهما نائمَين ، فكرهت ان اوقظهما ، وان أغبق قبلهما أحداً من الأهل
والرقيق ، والقدح في يدي أنتظر استيقاظهما حتى بزغ الفجر ، والصبية حولي
يتضاغَون من الجوع ، ويصيحون عند قدمي ، وهم فلذة كبدي ، فتشاغلتُ عنهم
حتى استيقظا فشربا غبوقهما ، ثم سقيت أهلي وخدمي .... اللهم إن كنتُ فعلتُ
هذا ابتغاء وجهك الكريم ففرّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة .. فانفرجت
الصخرة شيئاً لا يستطيعون الخروج منه .
وقال الثاني : أما أنا فقد كنت ميسور الحال ، أحيا رغداً من العيش ، وليَ
ابنة عمّ جميلة المُحيّا ، بهيّة الطلعة ، أحبها ، وأرغب فيها ، فراودْتها
عن نفسها ، فأبَتْ ، وبذلتُ لها المال ، فتمنّعتْ ، أغريتها بشتّى الوسائل
، فلم أنل منها ما أبتغي . فحبست ألمي وحسرتي في نفسي ، لا أنفرج إلا إذا
نلتُها . ثم واتت الفرصة إذ جاءتني في سنة جديبة تطلب المساعدة من ابن
عمّها على فقرها ، فراودتني نفسي على إغوائها ، واغتنمت حاجتَها وبؤسَها ،
فأعطيتها مئة وعشرين ديناراً على أن تخلّيَ بيني وبين نفسها ، ففعَلَتْ
... يا لهف نفسي ، ويا سعادتي ، إنني قاب قوسين أو أدنى إلى اجتناء ثمرة
صبري ... هاهي بين يدَيّ ، بل إنني منها مقام الزوج مكان العفة من زوجته ،
والشهوة تنتفض في كل ذرّة من جسمي ... قالت والدمع يملأ مآقيها ، والحزن
يتملّكها : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقّه . فالاتصال الزوجي قمة
السعادة ، والحلال مَراحُ النفس وأُنسُ الروح ، أما الزنا فلذّة اللحظة ،
وندم الحياة ، وذلّ الآخرة . .. دقّ قلبي رافضاً ، وختلجت أوصالي آبية
الوقوع في الإثم ، ورأيتُ بعينَيْ قلبي غضب ربي ، فقمت عنها منصرفاً ،
وتركت لها المال راغباً في عفو الله ومرضاته . .. اللهم ؛ إن كنتُ فعلت
ذلك ابتغاء وجهك الكريم فافرُج عنا ما نحن فيه .... فانفرجت الصخرة ، غير
أنهم لا يستطيعون الخروجَ منها .
وتقدّم الثالث ، فقال : اشتغل عندي عدد من الأُجراء ، وأعطيتُهم أجرَهم
غير واحدٍ ترك أجره وذهب . فقلت : في نفسي : قد ترك الأجير حقه ، فانا
أولى به . وقال لي الشيطان : ليس له عندك شيء .. وتحرك الإيمان في قلبي ،
فأمرني أن أحتفظ بأجره ليأخذه إن عاد ... ارتحت لهذا القرار ، فأمرني
إيماني ثانية حين رأى تجاوبي للخير : بل ثمّر له أجره . .. فأشركتُه في
عملي حتى كثرت الأموال والإبل والبقر والغنم والرقيقُ ، وملأ المكانَ .
فجاءني بعد حين فقال : يا عبد الله ؛ أدِّ إليّ أجري . فقلت : كلّ ما ترى
في هذا الوادي لك ، فخذه . فقال الأجير : أتهزأ بي ؟! أهذا جزائي منك حين
انشغلتُ ابتداءً فلم آخذ حقي ؟! فقلت له : إني لا أستهزئ بك ... وأخبرتُه
أنني جادٌّ في قولي ، فقد ثمّرتُ أجره . فلما وثقَ صدقَ حديثي أخذ ماله
وانطلق ، فاستاقه ، ولم يترك منه شيئاً . .. اللهم إن كنت فعلت هذا ابتغاء
وجهك ، فافرج عنا ما نحن فيه .. فانفرجت الصخرة ، فخرجوا يمشون .

متفق عليه رياض الصالحين ، باب التوبة

.................................................. .....................

القصة السادسة

قال التلميذ لشيخه ، وقد جلس بين يديه صباح يوم صيفي جميل ، بعد أن انتهى
الناس من صلاة الفجر : يا مولاي لمَ تقوم الشعوب في كثير من الأحيان
بثورات على حكامهم ؟
قال الشيخ :
قد يظلمون رعيتهم ، فيُحمّلونهم ما لا يُطيقون ،
وقد تكون أحكامهم جائرة ،
وقد يتهاونون في تحمل مسؤولياتهم ،
وقد يفشلون في اتخاذ الأسباب التي تحفظ كرامة الأمة ،
وقد يتعاونون مع العدو لضعف يشعرون به أمامه ولا يعملون على الاستعداد له ،
أو يتعاملون مع العدو الذي صنعهم ليخدموه ، وليكونوا أداة القمع والإذلال
لشعوبهم ... وهناك عوامل كثيرة – يا بني – تدفع الأمم إلى هذه الثورات .
قال التلميذ :
ولكنّ الشعوب هي التي تختار حكامها ، وكان أولى بها أن تختار من هو أهل لذلك .
قال الشيخ :
صدقت – يا بني – فالاختيار الجيد طريقة سليمة في الوصول إلى سُدّة الحكم ،
فاختيار الحاكم يعتمد على أسس سليمة مثل الفهم الواسع ، والأهلية التي
يتسم بها مثل : حسن الأخلاق والسيرة والسلوك الطيب ، وعلى رأس ذلك
التزامُه بدينه وغَيرتُه عليه ، والعملُ بشريعة الله ، والعدلُ بين الرعية
...
ولكنْ هناك من يَغصب الحكم غصباً ، وهناك من يرثه وليس أهلاً له ،
فيستغلون ملكهم ومناصبهم لمآربهم الشخصية معرضين عن مصلحة الوطن والأمة ..
وحين تتحرك الجماهير رافضة أمثال هؤلاء معبرة عن غضبها يتشبثون بكراسيّهم
وعروشهم بالنار والحديد ، فإذا هَوت العروش من تحتهم ، ومادت الأرض بهم
استعانوا بالأعداء ليتمكنوا ، فلا تجد الشعوب بداً من اقتلاعهم ، فتثور
عليهم .
قال التلميذ :
أكثر الحكام هذه الأيام من هذا الصنف المخزي - يا سيّدي – ما إنْ يمسكون
بمقاليد الأمور حتى يعتقدوا أن الشعوب إنما وُجدت لتخدمهم لا ليخدموها ،
فيجمعون الأموال ويتخذون وسائل الراحة لهم ولحاشيتهم وأتباعهم ، ويعتمدون
الإذلال والإرهاب سبيلاً لتمكنهم ، واستتباب الأمر لهم ، وينسَون أنهم
مسؤولون ، وعلى الله معروضون ، وأمامه محاسبون .
قال الشيخ :
هذا صحيح ... ولكنّ تاريخنا يحفل أيضاً بالخلفاء الراشدين ، والولاة العادلين ، والحكام الناصحين ، والملوك الزاهدين .
قال التلميذ :
أهناك ملوك زاهدون ؟ .
قال الشيخ :
نعم ؛ وما أكثرَهم . بعضهم كان يأكل من عمل يده وكدّ يمينه ، ويتخذ بطانة
صالحة تعينه في أمور رعيّته ، ويتابع عن كثب مصالح مملكته ، فيستعمل
العاملين المخلصين ، ويعاقب المفسدين ، ويُثْبت في الخدمة النابهين
المحسنين ، ويعزل اللاهين العابثين ، ويعاقب الفاسدين .
وهناك من هاب مسؤوليّة الحكم ، ورأى ضعفه عن الاضطلاع بمسؤوليّته ، فتخلّى
عنه ، وتنازل عنه لغيره طواعية مخافة الله أن يسأله : لمَ ضيّعْتَ
المسلمين ؟.
قال التلميذ :
أفي تاريخنا من فعل ذلك ؟! إني أراهم هذه الأيامَ لا يتركونه إلا إلى القبر أو إلى السجن الطويل .
قال الشيخ:
من أمثالهم خالد بن يزيد بن معاوية الأموي ، وإبراهيم بن أدهم الزاهد
اللذان تخليا عن الحكم ورفضاه ... وليس هذا حكراً على المسلمين ، فقد حدّث
رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه عن أحد ملوك بني إسرائيل هرب منهم
حين أحسّ أنه ليس أهلاً لما اختاروه له .
قال التلميذ :
شوقتني – يا سيدي – أفلا تقص عليّ قصّته ؟!.
قال الشيخ :
حبّاً وكرامة – يا بني – فلا يبلغ العالم الفضل إلا عندما يبذل علمه لمستحقيه .
فقد ذكر ابن مسعود رضي الله عنه أنه سمع من النبي الكريم صلى الله عليه
وسلم أن بني إسرائيل استخلفوا خليفة عليهم بعد النبي موسى عليه السلام ،
فكان هذا الملك رجلاً صالحاً يعمل جهده نهاراً في خدمة رعيّته ، ويقوم
الليلَ تعبّداً لله سبحانه وتعالى . فقام مرة يصلي فوق بيت المقدس في ليلة
مقمرة ، صفت فيها السماء ، وسبَحتْ فيها أشعّة البدر الفضّية ، وتلألأت
النجوم في كبدها ، فازدادت بهاءً وجمالاً ، وبدأ يحاسب نفسه ، ويعرض عليها
ما فعل في خدمة دينه و أبناء ملته ، ويقارن بين ما فعله ، وما يستطيع فعله
، وما يجب أن يفعله ، فوجد نفسه مقصّراً في واجباته نحوهم ، ولم يجد
الجرأة أن يقول لهم : اختاروا غيري ، فأنا لا أصلح لكم ، فلربّما حسبوا
ذلك منه صلاحاً ، فأبَوا عليه رغبته ، وازدادوا به تمسّكاً ، وقد يعتزل في
بيته ، فلا يقبلون منه ذلك ، ويصرّون على عودته ، ولا يُفرّطون به ، وقد
يخرج عنهم إلى إحدى القرى متعبّداً منعزلاً ، فيتبعونه ، ولا يُقيلونه .
.. ماذا يفعل ؟ .. فكّر ، وقلّب الأمور ، فهداه تفكيره إلى الهروب بعيداً
حيث لا يعرفه أحد .. ولكنّ الجنود يحيطون به ويحمونه ؛. فإذا خرج خرجوا
معه ، وإذا أصرّ أن يمشي وحده تبعوه من بُعد خوفاً عليه ، فلا مجال للهرب
من الباب ... نظر حوله ، فرأى حبلاً ، ربطه في سقف المسجد ، وتدلّى على
الأرض ، وانطلق دون أن يشعر به أحد .. ولم يكتشف حرسه ما فعل إلا صباحاً
حين استأخروه ، فصعدوا سقف المسجد فوجدوا الحبل ، ولم يجدوه ....
أسرع متخفـّياً إلى أن وصل إلى بلدة على شاطئ البحر ، فوجد بعض أهلها
يضربون في الرمل لـَبْناً ، فإذا جفّ صار قطعاً صلبة يبنى الناس بها
بيوتهم ، فقال لهم : علّموني صنعتكم ، فأعملَ معكم ، فأنا غريب . قالوا :
على الرحب والسَّعة ، وصار يعمل معهم ، ويأكل من كسب يده . ..
وأنس الناس به ، إلا أنهم رأوا منه عجباً ، فقد كان إذا حضرت الصلاة قام
يصلي ... ماذا يفعل الرجل ؟ ! إنه يقوم بحركات لا يعرفونها ، ويتلو مالا
يفهمون ! ..
لم يكن الملك الزاهد يتخفّى حين يصلي ويعبد الله تعالى ، ولم يكن يخجل وهو
في بلاد الغربة أن يخالف الناس فيما يعتقدون ! إنه ما ترك المُلْك وهرب
منه إلا ليعبد الله عز وجل دون أن يتحمّل – على ضعفه – مسؤولية غيره ،
لكنه قويّ في الجهر بعقيدته ودينه ! لا يخاف من أحد .. هو على حق ، وصاحب
الحق داعية في خلقه وفي عبادته ، يجهر بها ، ويدعو إليها . لا يخشى مغبّة
أمره ، والداعية كتاب مفتوح يقرؤه الجميع ، فيرون فيه الفضيلة والأسوة
الحسنة والصواب ، فيتبعونه .
رفع العمال إلى كبيرهم حاكمِ البلدة ما رأوه وما يرونه من هذا الغريب
الزاهد المتعبّد ، يصفون له ما يفعله ذلك الرجل الكريم الخُلُق . فأرسل
إليه أن يأتيه ، فأبى أن يجيب . طلبه إلى مقابلته مرات ثلاثاً ، فأعرض عن
إجابته .
كان عليه - وهو الداعية - أن يلبي طلبه ويعرض عليه دينه ، فعسى أن يدخل
فيه ، وكان عليه أن يقابله ويجيب عن أسئلته ، ويوضح له ما استغلق عليه
وعلى عمّاله . لكنّ نقطة الضعف فيه ، هذه التي جعلته يهرب من بلده ،
وينسلّ مبتعداً عن رعيّته تاركاً واجبه تجاههم بعد أن وثقوا به ، وسنّموه
مسؤوليتهم هي التي جعلته يخطئ مرة ثانية فيأبى الذهاب إلى حاكم البلدة .
فماذا يفعل حاكم البلدة العاقل ؟ .. جاء بنفسه .. جاء تحمله دابّته ..
فلما رآه الرجل فرّ ، فاتّبعه ، فأسرع هارباً ، فلما سبقه ناداه الحاكم :
يا هذا ، انتظر ولا تخف . لا أريد بك سوءاً .. دعني أكلمك ! ..
فلمّا رأى الرجل أنه لا بد من الإجابة توقف حتى كلّمه ، وقصّ عليه خبره ز
ولم يُخفِ عنه أنه كان ملكاً ، وأنه فرّ من الله إلى الله خوفاً أن يحمل
تـَبـِعَة الحكم الثقيلة ، فهو ليس أهلاً لذلك ، فقد يخطئ ويظلم ، والظلم
ظُلُمات يوم القيامة .
وقر في قلب الرجل الآخر ما قاله الأول ، وقال له : إني لأظنني لاحقاً بك ،
سائراً على منوالك ،أنا مثلك يا أخي ، شغلتني الدنيا والعمل لها عن عبادة
ربي ، فانقطعت لها ، وكدت أنساه ، ما أنت بأحوج إلى ما صنعتَ منّي . ...
خذني معك ، فأنا منك وأنت منّي .. لسنا من أهل هذه الدنيا الفانية ،
والعاقل يعمل للحياة الباقية .. هناك عند من لا يُخيّب سائله ، ولا
يًضَيّع للعبد وسائله ، في كنف الله الكريم ..
نزل الرجل عن دابّته ، تركها لمن يريدُها ، ثم تبع صاحبه الذي رأى فيه
الإخلاص لله تعالى ، والحب العميق لما عند الله .. تآخَيا في الله ..
والحب في الله .. والتآخي فيه ذروة الإنسانيّة ، وقمّة السموّ ، إن السبب
الذي يربطهما خالد أبديّ ، ليس لهوى النفس فيه مكان ... تنقطع جميع
الأسباب الدنيَويّة ، ويبقى الحب في الله والأخُوّةُ فيه قوية متصلةً ،
دائمة النماء ، يرويها النبع الثـّرّ على مرّ مدى الأيام ..
انطلقا يعبدان الله تعالى ، فعرفا طعم العبوديّة الرائق ، وعاشا في رحابها
ما شاء الله لهما أن يعيشا ، وسألا الله تعالى أن يميتهما متجاورَين أخوين
في الدنيا والآخرة .
قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : ماتا برُمَيْلة مصر ، لو كنت هناك
لأريتُكم قبرَيْهما ... فقد وصفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكأنني
أراهما رأْيَ العين .

رواه الطبراني في المعجم الكبير
ج 1- ص/216 والأوسط ج2ص/ 112



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر
Anonymous



قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم   قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم I_icon_minitimeالجمعة فبراير 15, 2008 8:31 am




القصة السابعة

قال الساحر للملك : يا مولاي كبرت سني ، وقلت
حركتي ، وضعفت همتي ، وبت أشعر أنني غير قادر على خدمتك تلك الخدمة التي
أرضى عنها ، فابعث غلاماً أعلمه السحر ، وأدرّبه عليه، فيكون في خدمتك .
فاختار الملك غلاماً ذكياً يعلمه الساحر علوم السحر وأفانينه .
كان الغلام يذهب إليه كل يوم يأخذ فنون السحر بشغف ، حتى وثق به الساحر ،
وجدّ في تعليمه . ومضت الأيام والغلام منهمك في عمله الجديد ، والملك يسأل
الساحر عن تلميذه . فيمدحه هذا : إنه ذكيّ نجيب . إنْ يثابر على همّته
وطموحه يكن له شأن عجيب .
حين انطلق الغلام كعادته ذات يوم إلى الساحر ، وكان في الوقت متّسع عرّج
على القصر من طريق آخر يسلكه القليل من الناس ، يشرف على وادٍ ذي رياض
عامرة ... ما أجمل هذا المكان ؟! ليتني أرتفع إلى الجبل قليلاً فأشرفَ على
منظر أجمل وأبهى .. وارتفع ، فصدق حدسُه . إن المكان يبدو أكثر تناسقاً ،
وأوضح منظراً .. جال ببصره هنا وهناك ، فرأى كوخاً في زاوية الطريق
الملتوي الصاعد إلى القمّة، فحدّثتـْه نفسُه أن يأتيه مستكشفاً .. فماذا
يفعل أصحابه بعيداً عن الناس إلا إذا كانوا يحبون العزلة، ويفضّلون الهدوء
! لما وصله رأى فيه رجلاً تبدو عليه سيما الوقار والجلال ، يشخص ببصره إلى
السماء يدعو ويبتهل . فدنا منه يصغي إلى دعائه . فسمع قولاً يدل على حبّ
وودّ، وذل وخضوع يوجّهه الرجل إلى محبوب لا يراه الغلام ، إنما يأنس إليه
ويشعر بوجوده . ..
وحين أنهى الرجل دعاءه التفت إلى الفتى مبتسماً يقول :
أهلاً بك يا بني ، وهداك الله إلى الحق والإيمان .
قال الفتى : أي حقّ وأي إيمان تعنيه يا عمّاه ؟! .
قال الرجل : الإيمان بخالق السموات والأرض ومن فيهنّ ، بارئ النسمة وفالق الحبّة .
قال الفتى : أتقصد الملك ، يا عمّاه ؟.
قال الرجل : حاشاه أن يكون كذلك ، إنه مخلوق ضعيف ، ممن خلقه الله ، لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً .
قال الفتى : إن الساحر أخبرني أن الملك إلهنا وخالقنا ، والساحر يعلمني السحر كي اكون في خدمة الملك .
قال الرجل : وهل يحتاج الخالق إلى مخلوقه يا بنيّ ؟! وكيف يكون إلهاً وهو
يأكل ويشرب ، وينام ويستيقظ ؟ إنه مثلك ، يا بنيّ . بل أنت أفضل منه ،
لأنه يحتاجك ، ولا تحتاجه ، وتخدمه ، ولا يقدّم لك شيئاً .
نزل هذا الكلام في قلب الغلام منزلاً حسناً ، فهو يخاطب الفطرة ويمازج العقل والقلب ، فقال له : علمني يا سيدي مما علمك الله .
فبدأ الراهب العابد يعلمه العقيدة الصحيحة ، ويعرّفه بالله خالق الكون ومدبّر الأمر سبحانه .
وكثر تردد الفتى على الراهب في طريقه إلى الساحر ، فكان إذا تاخر عليه
ضربه . فشكا إلى الراهب ما يفعله الساحر به . فقال له : إذا خشيت الساحر
فقل : أخّرني أهلي ، وإذا خشيت أهلك فقل : أخّرني الساحر . ..
فبينما الفتى على ذلك إذْ مرّ في طريقه على أناس وقفوا على الطريق لا
يتجاوزونه خوفاً من دابّة عظيمة قطعت الطريق ، وحبست الناس . فقال في نفسه
: اليوم أعرف آلساحر أفضل أم الراهب أفضل ؟. فأخذ حجراً ، وقال : اللهم ،
إن كان أمر الراهب أحبّ إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابّة حتى يمضي
الناس ؟ فرماها ، فقتلها . ومضى الناس ، فأتى الراهبَ ، فأخبره بما فعل .
قال له الراهب : أي بني ؛ أنت اليوم أفضل مني . فإن كنتَ قد استجاب الله
دعاءك فقد قبلك ، وسيبتليك ، ويختبر إيمانك . فإن ابتليتَ فلا تدُلّ عليّ
.
وعرف الناس فضل الغلام ، فصاروا يقصدونه ، فيشفي الله على يديه الأكمَهَ
والأبرصَ ، ويداوي الناسَ من سائر الأدواء حتى انتشر صيتُه ، وذاع أمرُه
بين الناس . فسمع جليسٌ للملك كان قد عميَ بما يفعل الفتى ، فأتاه بهدايا
كثيرة ، وقال له :
كلُّ ما بين يديّ من الأموال والهدايا لك ، إنْ شفيتـَني .
قال الغلام : أنا لا أشفي أحداً ، إنما اللهُ الشافي ، فإن آمنْتَ بالله
تعالى دعوتُ الله فشفاك ... وهكذا يكون الداعيةُ إلى الله تعالى ، صادقاً
مخلصاً لمولاه ، ينسب الخير إليه ، ويدعو العباد إلى الإيمان بربهم ،
ويصلهم به . فآمن الرجل بالله ، ودعا الغلام له بالشفاء ، فشفاه الله
تعالى لإيمانه به . فجاء الملكَ يجلس إليه كما كان يجلس .
فقال الملك : من ردّ عليكَ بصرَك ؟ ولو كان إلهاً ما سأله هذا السؤال ...
قال الجليس : إنه ربي .
قال الملك المتجبر الضالّ : أَوَلك ربّ غيري ؟!.
قال الرجل بلهجة المؤمن التقيّ : ربّي وربّك الله .
ثارت ثائرة الملك ، إذ كيف يتّخذ الرجلُ ربّاً سواه ؟ بل كيف ينكر ألوهيّة
الملك ويقرنه به عبداً لله؟! .. فأخذه ، فلم يزل يعذّبه حتى دلّ على الفتى
.
فلمّا مثـُل الفتى بين يدي الملك قال له الملك متعجّباً : أيْ بنيّ قد بلغ
من سحرك ما تبرئ به المرضى ، وتفعل العجائب ، وتقدر على مالا يقدر عليه
غيرك ؟!
قال الفتى بلهجة الوائق بالله ، المؤمن بربه ، الذي لا يخاف أحداً : إنني
لا أشفي أحداً ، إنما يشفي اللهُ تعالى خالق الكون ومدبرُ أمره ، الذي
يعلم السرّ وأخفى ، وهو على كل شيء قدير .
غضب الملك ، وهدّده بالعذاب الأليم إنْ لم يرجعْ إلى ما كان عليه ... إلى
الضلال بعد الهدى ، والظلام بعد النور ، والسفاهة بعد الحكمة .. فبدأ
زبانيته يعذبون الفتى ، علّهم يعرفون من علّمه هذا ، وجرّأه على الملك .
فصبر وتحمّل ، فزادوا في تعذيبه حتى انهار ، فدلّ على الراهب ، فجيء به ،
وعُذّب ليعود عن دينه ، فأبى . فدعا الملك بالمنشار ، فوضعه في مفرق رأسه
، فشقّه حتى وقع شِقّاه . ثمّ جيء بجليس الملك ، فقيل له : ارجع عن دينك ،
فأبى ، فوُضع المنشار في مفرق رأسه ، فشقّه به حتى وقع شِقّاه . ... وطارت
روحاهما إلى بارئهما مؤمنتين طاهرتين .
إن المؤمن حين يلامس الإيمانُ شَغاف قلبه لا يأبهُ بالمغريات ، ولا يخاف
العذاب ، إنما يبقى ثابتاً ثبات الجبال الرواسي ، صامداً لا يعرف الهلعُ
من الموت طريقاً إليه .
وأمر الملك زبانيته أن يجرّوا إليه الغلام مكبّلاً ، ففعلوا . فأمره أن
يعود عن دينه إلى عبادته ، فأبى . فهدّده بالويل والثبور وعظائم الأمور ،
فازداد إيماناً بربّه وتمسّكاً بدينه .
فلم يأمر بقتله لأنه بحاجة إليه ، فهو الذي يهيئه على يد الساحر ليكون
الأداة التي يسحر بها قلوب الأمة ، فيسلب إرادتها ، وتخر له ساجدة تسبح
بحمده وتقدس له . . فصمّم على إرهابه وتخويفه ، فقال لبعض جنوده على مسمعٍ
من الفتى :
اذهبوا به إلى أعلى جبل في مملكتي ، فاصعدوا به الجبل ، فإذا بلغتم ذروتَه
فمروه أن يرجع إلى صوابه! ، فإن أصرّ على عناده فاطرحوه في الوادي السحيق
ليكون مزقاً تأكله حشرات الأرض . .. فذهبوا به ، فصعدوا الجبل ، وراودوه
عن دينه ، فالتجأ إلى الله تعالى أن يدفع عنه كيدهم . فكانت المفاجأة ُ
العجيبة ُ .. لقد لبى الله القادر على كل شيء نداءَه ، فرجف الجبل بهم ،
فسقطوا في الهاوية التي خوّفوه بها .. وسلّمه الله .. فجاء يمشي إلى الملك
يخبره بنجاته وهلاكهم ، علّه يرعوي عن غيّه ، ويسلّم بالحقيقة ... وأنّى
للأعمى أن يُبصر طريقاً ، وللأصمّ أن يسمع حديثاً ؟! .. لقد ركبه الشيطانُ
وأقسم ليوردنّه موارد الهلاك ، فدفعه إلى بعض جنوده قائلاً :
لئنْ سلمْتَ من اليابسة إنك لن تسلم من الماء .
وأمرهم أن يأخذوه إلى عرض البحر ، ويراودوه عن دينه ، فإن أبى فلْيطرحوه
في الماء مقروناً إلى قطع الحديد تغوص به إلى القاع ، فيكون طعاماً
لحيتانه .
ففعلوا . فلمّا توسّطوا البحر خوّفوه ، ورغّبوه ، فلم يُفلحوا معه ، فلمّا
همّوا أن يُلقوه في الماء قال : يارب ؛ ليس لي سواك ، فنجّني في الثانية
كما نجّيتني في الأولى . .. ويا لروعة النداء! ويا لسرعة الاستجابة ! لقد
انكفأت بهم السفينة ، فغرقوا جميعاً إلا الذي أراد الله سبحانه له النجاة .
فجاء يمشي إلى الملك يتحدّاه .
فقال له الملك : أين أصحابك ؟! .
قال الفتى : كفانيهم الله تعالى ، أيها الملك ؛ ما زال في الوقت متّسع ،
ورحمة الله قريب من المحسنين ، فكن من المؤمنين ، فما يفيدك جبروتك شيئاً
..
قال الملك : لأقتلنّك أو تعودَ إلى عبادتي .
فلما عرف الفتى أن الملك قد ران الكفر على قلبه ، وملك جوانحه أراد أن
يعلّم الناس أن الملك ضعيف مهما تجبر ، وأنه مَهين لا يملك من القوّة
الحقيقية شيئاً ، فلجأ إلى طريقة تعرّي الملك ، وتظهره على حقيقته أمام
الناس جميعاً في صعيد واحد .
قال : أيها الملك ؛ إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به .
قال الملك : ماهو ؟ .
قال الفتى : تجمع الناس في متسع من الأرض رحبٍ ، وتصلبني على جذع شجرة ،
ثم تأخذ سهماً من كنانتي ، ثم تضع السهم وسط القوس ، ثم تصيح بصوت عال
يسمعه الجميع : باسم رب هذا الغلام... ثم ارمني ، فإنّك إن فعلْتَ ذلك
قتلتَني .
لم ينتبه الملك إلى قصد الفتى من جمع الناس ، إنما كان همّـه قتل الفتى والتخلّص منه .
فجمع الناس يوهمهم أنه قادر على قتل الغلام أمامهم ، وإثباتِ ألوهيّته المهزوزة أمامهم . فقد كثر حديثُهم ولغَـَطُهم ...
وفعل ما أمر به الفتى ، وصاح بأعلى صوته : باسم ربّ الغلام . ثم رماه ،
فوقع السهم في صدغه ، فمات الفتى شهيداً ، تصعد روحه إلى السموات العلا .
صاح الناس صيحة واحدة ملأت الآفاق : آمنّا بربّ الغلام . . ودخل الناس في دين الله أفواجاً .
ما هذا ؟! نكون في أمر فتىً واحدٍ ، فيصبح الناسُ كلهم على دينه ؟! ..
حسبت أنني تخلصت منه ، فإذا الناس جميعاً يؤمنون بما آمن به ؟ ... احتال
عليّ ، فأظهر ضعفي أمامهم ، ووضع من هيبتي في قلوبهم ؟!... لأذيقنّهم
الموتَ أهوالاً .. أنا الذي أميت واحيي ... أنا من يأمر فيُطاع... وينهى ،
فيُنتهى عما نهى .
وجمع جنودَه ، فأمرهم أن يحفروا الخنادق ،فحفروا . وأن يجمعوا الحطب ،
فجمعوا . وأن يوقدوا فيها النيران ، فاوقدوا . فلمّا تأجّجتْ أمر الناس أن
يعودوا إلى دينهم ، فأبَوا ... وهل يعود إلى الكفر من ذاق طعم الإيمان ؟!
وهل يرجع إلى السفاهة من أوتي الحكمة ؟! لا وألف لا ... إذاً أقحموهم
النارَ .. فبدأ الجنودُ يدفعون المؤمنين إليها ... منظر رهيب عجيب .. إن
نار الدنيا لأهون من نار الآخرة .. إن لقاء الله خير من الدنيا وما عليها
.... جموع المؤمنين تصلى النار غير هيّابة ولا وجلة ، يكبّرون ، ويهللون ،
ويقتحمون النار .
وكان فيهم امرأة تحمل وليدها .. يا رب أرمي بنفسي ؟ ...أنا راضية بذلك .
ولكن كيف أرمي بولدي ؟! أنا راضية باحتراقي ، ولكنْ ولدي.. وفلذةُ كبدي !
ما أفعل به ؛ يا ربّ ؟ أأرميه في هذا الأتون ؟! .. فأنطق الله وليدها ،
فسمعته يقول : يا أماه ؛ اصبري ، فإنك على الحق ... فرمت به ، ورمت بنفسها
، فكانت من الخالدين .
رواه مسلم
رياض الصالحين ، باب النصر


.................................................. ........................

القصة الثامنة
" التائب"


يا رب ؛ هل من توبة فأتوبَ ؟ هل من عفو فأتعلقَ به ؟ إن ذنبي كبير ، ووزري
خطير ، وإثمي جثم على قلبي ، ما من فاحشة إلا ارتكبت ، ولا ظلم إلا فعلت ،
ولا كبيرة إلا اجترحت ، وها أنذا أشعر كأن الجبال الرواسي تحطم صدري ،
والبحار تفجّر فؤادي ، والندم يأكل قلبي ....
هل من توبة فأتوب ؟ هل من أوبة فأثوب ؟ يا غفار قد لجأت إليك ، وعوّلت
عليك ، فلا تردني كسيراً ... أعلم أنني أسأت إلى نفسي وإلى عبادك ، وهل
أكبر جرماً من معتد قتل تسعة وتسعين نفساً ؟!. إلا أن رحمتك أكبر ، وعفوك
أوسع ، وغفرانك أرحب ، اللهم لا تردني خائباً .. اللهم لا تردني خائباً ...
وانطلق عمّن يبثه سريرة نفسه ، ويعلن التوبة والإنابة إلى الله على يديه .
فدلّوه على راهب انقطع إلى صخرة يتبتل في فيئها ، ويعبد الله في ظلها .
فباح له بمكنونات نفسه ، واعترف له بما فعل .. لم يكن الراهب سوى عابد
جاهل لم يعرف الله حق المعرفة . جهل أن الإنسان إذا جاء بقراب الأرض خطايا
نادماً تائباً قبله الله تعالى بملئها عفواً ومغفرة . فقال الراهب للرجل
مستعظماً ما فعله بملء فيه : لا توبة لك ، لا توبة لك . ...
واسودت الدنيا بعيني الرجل ، وشعر بالإحباط يشله . ثم حرّكه شيطانه ، فوثب
على الراهب فقتله فأكمل به المئة ... ثم ثاب إلى رشده يقول : إنّ من يقتل
مئة كمن يقتل تسعة وتسعين ، والتوبة لا تقف عند حد . ..
هل من رجل يتوب على يديه ؟ هل من عالم يروي ظمأه ؟ إنه يبحث عن أعلم أهل
الأرض كي يرتاح بمساعدته من وَعثاء الطريق المظلم ، وينتشله من وهدة
المفاسد ... فدلوه على رجل عالم آنس منه أذناً صاغية ووجهاً مشرقاً ،
وذهناً وقّاداً ، وبصيرة نافذة . ففضفض له عما في نفسه ، وقال له : هل من
توبة؟ أيغفر الله لي أفعالي وجرائر أعمالي ؟ أجابه العالم إجابة الواثق
مما يقول : نعم ؛ ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ .
قال التائب : يا سيدي إني فعلتُ وفعلتُ .
قال له العالم : إنه سبحانه يفرح بتوبة عبده أشدّ مما يفرح العبد بتوبته .
قال التائب : ولكنني أسرفت في الفساد ، وروّعت العباد ، ولم أترك مَوبقاً إلا أتيته !.
قال العالم : يقول الله تعالى مخاطباً أمثالك " قل : يا عباديَ الذين
أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ، إنه يغفر الذنوب جميعاً ، إنه
هو الغفور الرحيم " لا شيء يحول بينك ، وبين التوبة يا أخي ... أسرعْ إلى
الله يسرع إليك . ، واستغفره يغفرْ لك .
لم يتمالك الرجل أن بكى من الفرح . وأي فرح أعظمُ من الرجوع إلى حظيرة
التقوى وروضة الإيمان ؟ هنالك حيث تتخلص الأرواح من أدرانها ، وتعيش في
طهر الملائك السابحين في ملكوت الله ..
ولكنْ يا أخي – قال العالم للرجل – أنت بحاجة إلى من يشدّ أزرك ، ويأخذ
بيدك إلى الخير ، ويدلك على طريقه ، وتلك الأرض التي كنت فيها أرض فساد
وشر ، فلا تعُد إليها ، وانطلق إلى أرض كذا وكذا ، فهي عامرة بالحب
والتقوى ، وفيها أناس يعبدون الله تعالى ، فاعبد الله معهم ، فمن خالط
السعيد سعِد، ومن عاشر المؤمن استقى منه ، إنما يأكل الذئب من الغنم
القاصية . فابحث عن المجتمع المؤمن الطاهر تكن طاهراً ، وابتعد عن المجتمع
الفاسد تنجُ منه وتتّقِ شرّه .
انطلق الرجل التائب إلى تلك الأرض بنفس غير التي كانت له ، وروح غير الروح
التي كان يحملها ، انطلق بإيمانه الجديد ونفسه الطموح ، وروحه الوثـّابة
إلى عالم الأمن والامان ، إلى مجتمع الفضيلة والرشاد ، يسأل الله العون
والسداد ، يلهج لسانُه بذكر الله ، وتتحرك جوانحه شوقاً إلى إخوانه في
العقيدة .
وانتصف الطريق أو كاد ، ولم يبلغِ الأمل المنشود . كانت نيتُه صحيحة ،
ورغبته في الهدى صادقة ، إلا أن الأجل وافاه ، وملك الموت قبض روحه ، ولكل
أجل كتاب .
تنازعت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فيه ، كل فريق يريد أخذه .
قالت ملائكة الرحمة : نحن أحق به ، فقد جاء إلى الله تائباً ، مقبلاً
بقلبه ، عازماً على فعل الخير ، مصمماً على نسيان ماضيه ، والبدءِ من جديد
إنساناً مؤمناً تقيّاً .
قالت ملائكة العذاب : بل نحن أحقّ به ، إنه لم يعمل خيراً قطُّ .
واختصمت فيه ، كل فريق يُدلي بحجته ، ويسعى لأخذه .
وأراد الله عز وجل أن يعلّم ملائكته أولاً ، والناسَ ثانياً إن التوبة إنْ
صحّتْ ، والإنابة إن تأكّدَتْ فالعمل تبَعٌ لها ، وكأيّنْ من أناس دخلوا
الجنّة ، ولمّا يصلّوا لله ركعة واحدة إذ وافتهم مناياهم ، وقد خضعت
قلوبهم لذكر الله ، فآمنوا به ، وأسلموا له .
أراد الله برحمته أن يعرّف عباده أن اللجوء إليه نجاة ٌمن النار ، ويالها
من نجاة ! وفوزٌ بالجنه ، وياله من فوز! ، فأرسل ملَكاً في صورة آدميّ -
تنويهاً ببني آدم ، وتنبيهاً إلى أنّ منهم من يصلح لأن يفصل بين الملائكة
إذا تنازعوا – فحكّموه بينهم ، فقال لهم :
قيسوا ما بين الأرضَين ، فإلى أيتهما كان أقربَ فهو له .
فأوحى الله إلى أرض السوء أن تباعدي . وإلى أرض الخير أن تقرّبي .
فقاسوا ما بينهما ، فوجدوا الرجل التائب أقرب إلى الأرض التي قصدها
بشبرواحد! ياسبحان الله ، ويارحمة الله ! ... صدَق اللهَ ، فصَدَقه الله ُ
... صار أقربَ إلى أرض النور والإيمان بفضل الواحد الديّان ... فقبضتْه
ملائكة الرحمة .




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر
Anonymous



قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم   قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم I_icon_minitimeالجمعة فبراير 15, 2008 8:32 am





القصة التاسعة
عاقبة السرقة


يوشع بن نون نبي من أنبياء بني إسرائيل ،من نسل يوسف ، كان مرافقاً لموسى
عليهم جميعاً الصلاة والسلام ، وهو الفتى الذي صحب موسى لملاقاة الرجل
الصالح الذي ذكرت قصتـُه في سورة الكهف " وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى
أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقـُباً " .. هذا النبي الكريم خَلَفَ موسى في
حمل الأمانة وتبليغ الرسالة .
انطلق هذا النبي الكريم لفتح القدس ، وأراد أن يكون جنودُه من الذين
خلّفوا الدنيا وراءهم ، ورغبوا في إرضاء الله تعالى والجهاد في سبيله ، لا
يَشغَلُهم عن ذلك شاغل . فمنع عدّة أصناف من بني إسرائيل أن يقاتلوا معه
لانشغالهم بالدنيا وزخرفها ..
1- منهم الرجال الذين عقدوا على نساء ، ولم يدخلوا بهنّ . فهؤلاء ينتظرون
الفرصة التي يعودون فيها إلى نسائهم . . فقتالهم سيكون إذاً قتالَ مَن
يرجو الدنيا ، ويسعى إليها .
2- ومنهم من بنى داراً ، ولمـّا تكتملْ ، فهؤلاء قلوبهم معلّقة بها ، يتمنّون العودة إليها ، يبنون جدرانها ، ويرفعون سقوفها .
3- ومنهم من يمتلك أغناماً ونوقاً حان وقت ولادتها كي تكثـُر وتنمو ، فهم يرصدون الزمن الذين يعودون بعده إلى أموالهم .
هؤلاء الأصنافُ الثلاثةُ لن يبذلوا جهدهم في لقاء العدو وجهادهم إياه .
أضعَفَه انشغالُهم بالدنيا ... فليكن الجيشُ - إذاً - جيشاً ربّانياً يبذل
النفس رخيصة لله تعالى .
كانت القدس من أحصن المدائن أسواراً ، وأعلاها قصوراً ، وأكثرها أهلاً .
فحاصرها ستة أشهر . ثم إنهم أحاطوا بها يوماً إحاطة السوار بالمعصم ،
وضربوا الأبواب ، وكبّروا تكبيرة رجل واحد ، فتفسخ سورُها ، وسقط وجبة
واحدة ، فدخلوها ، وأخذوا ما وجدوا فيها من الغنائم ، وقتلوا اثني عشر
ألفاً من الرجال ، وحاربوا ملوكاً كثيرة ، وظهروا على واحد وثلاثين ملكاً
من ملوك الشام . وذكروا أنه – يوشع بن نون عليه السلام – انتهى محاصرتـَه
لها إلى يوم الجمعة بعد العصر . فلما غربت الشمس أو كادتْ تغرب ، ويدخل
عليهم السبت - حيث شُرع لهم أن لا يقاتلوا فيه – قال النبي يوشع للشمس :
إنّك مأمورة ، وأنا مأمور ؛ اللهم احبسها عليّ . فحبسها الله عليه حتى
تمكن من فتح المدينة ، وأمر القمر فوقف عن الطلوع .... قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " إن الشمس لم تُحبس لبشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت
المقدس " رواه أحمد .
وجمع يوشع الغنائم كلّها ، فالغنائم – قبل الإسلام – لم تكن تحِلّ
للمقاتلين ، بل كان القائد يحرقها كي لا تتعلّق أفئدةٌ المجاهدين بلـَعاع
الدنيا وزينتها ، وليكون جهادُهم خالصاً لوجه الله الكريم سبحانه ....
وقدّمها للنيران ، فلم تأكلها . فعلم أنّ بعض المقاتلين سرق منها شيئاً ...
فكيف يتوصل النبي الكريم إلى معرفة السارقين ، ونوع المسروق ؟ !
جمع رؤساء القبائل ، وأمرهم بمبايعته على الصدق في الجهاد . فمدوا أيديهم
إليه يصافحونه ويبايعون . فلزِقتْ يد رجل بيده ، فقال بلهجة الواثق : فيكم
السارق . فيكم أيها الرجل .
فقال الرجل – زعيم قبيلته – ما نفعل يا نبيّ الله ؟
قال : اجمع رجال قبيلتك يبايعونني .
فجمعهم ، وهم لا يدرون سبب تخصيصهم بالمبايعة ... فلما طفِقوا يبايعونه
لزِقتْ أيدي رجلين أو ثلاثة بيده ، فقال : أنتم السارقون . هيا أعيدوا ما
أخذتموه ... فأخرجوا كميّة من الذهب في صُرّة ، فبدت كأنها رأس بقرة في
حجمها .
فوضعوها على المال المجموع ، فأقبلت النار على الغنائم فأحرقتها .

متفق عليه / رياض الصالحين
يوشع بن نون نبي من أنبياء بني إسرائيل ،من نسل يوسف ، كان مرافقاً لموسى
عليهم جميعاً الصلاة والسلام ، وهو الفتى الذي صحب موسى لملاقاة الرجل
الصالح الذي ذكرت قصتـُه في سورة الكهف " وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى
أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقـُباً " .. هذا النبي الكريم خَلَفَ موسى في
حمل الأمانة وتبليغ الرسالة .
انطلق هذا النبي الكريم لفتح القدس ، وأراد أن يكون جنودُه من الذين
خلّفوا الدنيا وراءهم ، ورغبوا في إرضاء الله تعالى والجهاد في سبيله ، لا
يَشغَلُهم عن ذلك شاغل . فمنع عدّة أصناف من بني إسرائيل أن يقاتلوا معه
لانشغالهم بالدنيا وزخرفها ..
1- منهم الرجال الذين عقدوا على نساء ، ولم يدخلوا بهنّ . فهؤلاء ينتظرون
الفرصة التي يعودون فيها إلى نسائهم . . فقتالهم سيكون إذاً قتالَ مَن
يرجو الدنيا ، ويسعى إليها .
2- ومنهم من بنى داراً ، ولمـّا تكتملْ ، فهؤلاء قلوبهم معلّقة بها ، يتمنّون العودة إليها ، يبنون جدرانها ، ويرفعون سقوفها .
3- ومنهم من يمتلك أغناماً ونوقاً حان وقت ولادتها كي تكثـُر وتنمو ، فهم يرصدون الزمن الذين يعودون بعده إلى أموالهم .
هؤلاء الأصنافُ الثلاثةُ لن يبذلوا جهدهم في لقاء العدو وجهادهم إياه .
أضعَفَه انشغالُهم بالدنيا ... فليكن الجيشُ - إذاً - جيشاً ربّانياً يبذل
النفس رخيصة لله تعالى .
كانت القدس من أحصن المدائن أسواراً ، وأعلاها قصوراً ، وأكثرها أهلاً .
فحاصرها ستة أشهر . ثم إنهم أحاطوا بها يوماً إحاطة السوار بالمعصم ،
وضربوا الأبواب ، وكبّروا تكبيرة رجل واحد ، فتفسخ سورُها ، وسقط وجبة
واحدة ، فدخلوها ، وأخذوا ما وجدوا فيها من الغنائم ، وقتلوا اثني عشر
ألفاً من الرجال ، وحاربوا ملوكاً كثيرة ، وظهروا على واحد وثلاثين ملكاً
من ملوك الشام . وذكروا أنه – يوشع بن نون عليه السلام – انتهى محاصرتـَه
لها إلى يوم الجمعة بعد العصر . فلما غربت الشمس أو كادتْ تغرب ، ويدخل
عليهم السبت - حيث شُرع لهم أن لا يقاتلوا فيه – قال النبي يوشع للشمس :
إنّك مأمورة ، وأنا مأمور ؛ اللهم احبسها عليّ . فحبسها الله عليه حتى
تمكن من فتح المدينة ، وأمر القمر فوقف عن الطلوع .... قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " إن الشمس لم تُحبس لبشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت
المقدس " رواه أحمد .
وجمع يوشع الغنائم كلّها ، فالغنائم – قبل الإسلام – لم تكن تحِلّ
للمقاتلين ، بل كان القائد يحرقها كي لا تتعلّق أفئدةٌ المجاهدين بلـَعاع
الدنيا وزينتها ، وليكون جهادُهم خالصاً لوجه الله الكريم سبحانه ....
وقدّمها للنيران ، فلم تأكلها . فعلم أنّ بعض المقاتلين سرق منها شيئاً ...
فكيف يتوصل النبي الكريم إلى معرفة السارقين ، ونوع المسروق ؟ !
جمع رؤساء القبائل ، وأمرهم بمبايعته على الصدق في الجهاد . فمدوا أيديهم
إليه يصافحونه ويبايعون . فلزِقتْ يد رجل بيده ، فقال بلهجة الواثق : فيكم
السارق . فيكم أيها الرجل .
فقال الرجل – زعيم قبيلته – ما نفعل يا نبيّ الله ؟
قال : اجمع رجال قبيلتك يبايعونني .
فجمعهم ، وهم لا يدرون سبب تخصيصهم بالمبايعة ... فلما طفِقوا يبايعونه
لزِقتْ أيدي رجلين أو ثلاثة بيده ، فقال : أنتم السارقون . هيا أعيدوا ما
أخذتموه ... فأخرجوا كميّة من الذهب في صُرّة ، فبدت كأنها رأس بقرة في
حجمها .
فوضعوها على المال المجموع ، فأقبلت النار على الغنائم فأحرقتها .

متفق عليه / رياض الصالحين


.................................................. ................

القصة العاشرة
التكبر والتواضع


ثلاثة من بني إسرائيل رفع كل منهم يديه إلى السماء يدعو الله أن يفرّج عنه ما فيه من مصاب .
أما الأول فكان أبرص ، وأما الثاني فأقرع ، والثالث أعمى .
فأراد الله سبحانه وتعالى أن يختبرهم ، فأرسل إليهم ملَكاً .
- فلمّا جاء الأبرصَ قال : أي شيء أحبّ إليك ؟
قال : لون حسَن ، وجلد حسن، ويذهب عني هذا البرَصُ الذي استقذرني الناسُ
له ، فتقزّزتْ نفوسُهم ، وتحاشَوني .. إني لأشعر بالأسى يجرح شعوري ،
والخزي ِ يلاحقـُني .
قال الملَك : ألا ترى أن الصبر على ذلك ثوابُه الجنـّة؟
قال : بلى ، ولكنّ العافية أوسع لي .
قال الملك : ولَئِنْ شفاك الله ما أنت صانعٌ؟
قال : الشكرُ لله سبحانه ، ولأكونَـنّ عند حسن ظن ربي بي .
فمسحه الملك ، فذهب عنه قذَرُه ، وانقلب كأحسن ما يكون الرجلُ .. لونٌ حسنٌ ، ومنظرٌ بهِيّ ، وعافيةٌ . .. كل ذلك بإذن الله سبحانه .
ثم قال الملَك : أي المال أحبّ إليك؟
قال : الإبل . ... فأعطاه الملَك ناقةً عُشَراءَ ( حاملاً) ، وقال له : بارك الله لك فيها ...
- وأتى الملَكُ الأقرعَ ، فقال : أي شيء أحبّ لك ؟
قال الأقرعُ : شعر حسنٌ ، فإن ذهاب شعري وتقيّح رأسي نفـّر الناس منّي ، وكرّهني إليهم .
قال الملك : ولكنّ الصبر على هذه البلوى واحتساب الأجر عند الله خير .
قال الأقرع : نعم ، ولكنّ العافية أوسع لي .
قال الملك : ما تصنع إن شفاك الله وجمّلك ؟
قال : الشكرُ لله نُصب عيني ، ولأكونَنّ عند حسن ظن ربي بي .
فمسحه الملَك ، فذهب عنه درَن رأسه بإذن الله تعالى ، وكُسِيَ شعراً جميلاً أظهر حُسنَه ، فامتلأ سعادة .
ثمّ قال الملك : أيّ المال أحبّ إليك ؟
قال الرجل : أحبّ البقر . ... فأعطاه الملك بقرةً حاملاً ، وقال له : بارك الله لك فيها ...
- وأتى الملك ثالثهم – الأعمى - ، فقال : أيّ شيء أحبّ لك ؟
قال الأعمى : أن يرد الله عليّ بصري ، فأبصر كما يبصر الناس .
قال الملك : ألست معي أن الابتلاء مع الصبر يرفع درجات المؤمن في الجنّة ؟!
قال الأعمى : بلى ، لست أنكر ذلك ، ولكنني أتحاشى الناس كي لا يقعوا منّي على ما يكرّههم فيّ ، وأرجو ربي أن يعينني على شكره .
فمسحه الملك ، فردّ الله عليه بصره . ثم قال له : أيّ المال أحبّ إليك ؟
قال : الغنم ... فأعطاه الملك شاة والداً ، وقال له : بارك الله لك فيها ...
فأنتج الأول إبِلاً كثيرة ملأت الوادي .
وأنتج الثاني بقراً كثيراً ملأ الوادي .
وولد الغنم ، فكان له منها وادٍ ممتلئ.
مرّت الأيامُ ، وعاش هؤلاء الثلاثة في رغَدٍ من العيش وبُحبوحة . وعادوا
في الناس كأحسن ما يكون الرجل في أهله وعشيرته ، وكان لهم في أقوامهم
ومعارفهم العزُّ والسؤدُدُ ...
وحان وقتُ الاختبار ... ألمْ يدّعِ كل منهم أن يكون لله عبداً شكوراً ؟
وأن يحسن إلى الفقراء والمرضى وأبناء السبيل وأهل الحاجة ، وأن لا يرد
أحداً قصَدَه ؟ وأن يكون عند حسن ظن ربه به ؟ والسعيدُ من صدَق اللهَ
وعدَه.
جاء الملك إلى من كان أبرص فشفاه الله ... جاءه على هيئته يوم كان أبرص تكره العينان رؤيته .
فقال : رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري ، فلن أصل إلى أهلي وبلدي
إلا بفضل الله ، ثم بجودك وكرمك .. أرجو أن تهبني جملاً يبلّغني الأهل
والبلد .
قال : كنت أود أن أعطيك ، ولكنني لا أستطيع لكثرة حقوق الناس عليّ وضيق يدي .
قال الملك : أسألك بالله الذي أعطاك اللون الحسن ، والجلد الحسن ، والمال الوافر أن لا تبخل عليّ ، وأن تكرمني كما أكرمك الله .
قال : لا تُكثر المسألة أيها الرجل ، هيا اغرب عن وجهي .
قال الملك – وهو ما يزال على هيئة الأبرص – يذكّره بما كان عليه ، علّه
يرعوي ، فيفي اللهَ ما وعده : كأني أعرفك ؛ ألم تكن أبرص يقذرك الناس
فجمّلك الله ؟ وفقيراً ، فأغناك الله ؟
قال الرجل منكراً ذلك جاحداً نعمة الله وفضله : لم أكن كما تدّعي - أيها
الأفـّاك - إنما ورثت المال عن آبائي العظام وأجدادي الكرام ، كابراً عن
كابر .
وهنا قال الملك بعد أن ذكـّر فأعذر : إن كنت كاذباً فإني أسأل الله أن تعود كما كنت .
وفجأة عاد الرجل – كما كان - أبرص كريه المنظر .. لم يف ما قطع على نفسه لله من عهد ، فعاد سيرته الأولى جزاء غدره وإخلافه .
وأتى الملك من كان أقرع على هيئته وصورته ، فقال له مثل ما قال لسابقه .
فردّ عليه بمثل ما ردّ الأبرصُ عليه . فدعا الملك عليه أن يعود أقرع كما
كان يقذره الناس ويتحاشونه ، فعاد المسكين كما كان جزاء وفاقاً .. لم يحفظ
نعمة الله عليه بالشكر وأداء الحقوق .
وجاء الملك إلى من كان أعمى على هيئته وصورته السابقة فقال :
رجل مسكين ، وابن سبيل ، انقطعت بي السبل في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم إلا
بالله ثم بك . أسألك بالذي ردّ عليك بصرك ، ورزقك من فضله العميم شاةً
أتبلغ بها في سفري .
نظر الرجل إليه في ضعفه وفقره فأشفق عليه ، وتذكر ما كان هو عليه من هذا
الضعف وقلة الحيلة ، فحمد الله تعالى على لطفه فيه .. وبالشكر تدوم النعم
.
ثم قال له : صدقت فيما قلت يا أخا الإيمان ، لقد كنتُ كما قلتَ . وقد ردّ
الله عليّ بصري ، وأكرمني فرزقني ، وأقسمت لأكوننّ من الشاكرين ؛ فخذ ما
شئت من الغنم ، وما رغبتَ من المال ، ولن أمنعك ذلك ، فلله المنّة أولاً
وآخراً .
قال الملك : أمسك عليك مالك ، بارك الله لك فيه ، إنما اختبرك الله وصاحبيك ، فرضي عنك وسخط عليهما .
متفق عليه / رياض الصالحين .



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر
Anonymous



قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم   قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم I_icon_minitimeالجمعة فبراير 15, 2008 8:34 am




القصة الحادية عشرة
- ثواب العمل الصالح -


المشهد الأول :
انتصف النهار ، واشتدّت حرارة الشمس ، كان الهواء ساكناً سكوناً عجيباً
غابت فيه النسمة ، فازدادت مشقة الطريق ، كان وحده يمشي ، يتقاطر جبينه
عرقاً ، وينبثق من مسام جلده ، فتمتصه ثيابه حتى بدت مبللة تكاد تُعصر...
شعر بالعطش الشديد ، ولكن أين الماء ؟ لم يبق معه منه شيء... حرّك قِربته
، فلم يسمع ارتطام الماء فيها ، وضع فوّهتها على فيه فلم تبِضّ بقطرة ...
بدا لعابه يقِل ، وفمه يجف ، وشفتاه تتشققان ...
بحث حوله فهُيّئ له أن رأى ماءً ... فلما قصده لقيه سراباً .. بدأت عيناه
تريه كل شيء أمامه أنهاراً سَرعان ما تتبخر حين يُسرع إليها ... سأل الله
حُسْن الختام ... وحين كاد يسقط على الأرض رأى على مدىً قصير منه حافة بئر
... يا ألله ؛ أحقاً ما يراه أم هو يتخيّل ؟
شد عزمه ، وبادر بخطاً ثقيلة نحوه ... وصله وأطلّ عليه فرأى صورته . ورمى
فيه حجراً فأسمعه صوت ارتطامه بالماء ... نزل وشعر بالبرودة تدغدغ جسمه
... لقد وصل إلى الماء ... ووضع فمه على صفحته ، وعبّ منه كثيراً حتى
ارتوى ...
لم يشعر بعد ذلك بشيء ... أمَرّ عليه وقتٌ طويل وهو نائم ؟ إنه لا يدري
... لكنه أحسّ بالعافية تسري في بدنه ، لقد عادت إليه الحياة " وجعلنا من
الماء كل شيء حيّ " .. وقبل أن يخرج من البئر شرب كثيراً حتى كاد الماء
يخرج من عينيه وأذنيه وأصابع يديه !! لكنه كان قد رمى قربته في الطريق
فأضاع فائدة كبيرة .
لم يبتعد عن البئر كثيراً حين رأى كلباً يلهث ، يأكل الثرى من العطش ، إنه
قرب الماء ، لكنْ لا يستطيع النزول إلى البئر . .. لقد بلغ العطشُ بالكلب
مثل الذي كان بلغ منه ، فأخذته الرأفة ، وهمّ أن يسقيه ، فماذا يفعل ؟! إن
الكلب لا يستطيع النزول إلى الماء ، وليس معه قربته أو إداوته ، ليس معه
شيء يحمل فيه الماء ليسقي الكلب العطشان . يجب أن يسقيه ، فماذا يفعل ؟
هداه تفكيره بل هداه الله تعالى حين رأى رحمته بالحيوان إلى أن ينزل البئر
، فيخلع حذاءه ويملأه ماءً ويحمله بفمه ، ويصعد، فيسقي الكلب . ... أعاد
ذلك مرات ، حتى رأى ذلك الحيوانَ الأعجم ينصرف عنه مبتعداً وينظر إليه
نظرات ملؤها الاعتراف بالجميل والفضل والشكر الجزيل ... فقد أنقذه من
الموت .
حمد الرجل ربه لنفسه ، وحمِده لهذا الحيوان ، ... ولم يكن الله سبحانه
غافلاً عما فعله الرجل ، فأكرمه غاية الإكرام ، ورحمه واسع الرحمة ..
أتدرون كيف رحمه وكافأه؟ لقد أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن الله غفر له كل ذنوبه ، وأدخله الجنة دون حساب .
يا ألله ، يا ألله ، يا ألله ؛ أنت الرحمن الرحيم .. اغفر لنا ذنوبنا ، وعافنا واعف عنا . يـــارب .
متفق عليه
رياض الصالحين / باب في بيان كثرة طرق الخير

المشهد الثاني :
إنه مسلم يحب الخير لإخوانه في العقيدة ، ويرجو لهم السلامة ، ويسأل الله
من كل قلبه أن يحيا المسلمون في أمن وأمان ، لا يعكر صفوَهم كدرٌ ، ولا
يَشوب حياتهم شائبةٌ ، فالمجتمع المسلم حين يكون متحابّاً متآلفاً ولُحمة
واحدةً يكون قوياً متماسكاً ...
لقد رآه الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة ، ولمّا يعملْ بعدُ العملَ
الذي يؤهلُه أن يكون هناك في رَبَضِها ، وفي رحمة الله وفضله ، ينعم فيها
بما لا عين رأت ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلب بشر .
بلى إن الله تعالى يُدخل المسلم الجنة على عمله الخالص ولو كان قليلاً ،
بل إنه يدخله الجنة على نيّتة الخالصة الصادقة ، ولمّا يعملْ بها .
وكانت نيّة هذا المسلم صادقة خالصة لوجه الله الكريم ، وكان عملُه يدل على
ذلك . وهل أفضل من أن يكون المسلم في خدمة إخوانه يهتم بأمنهم وسلامتهم؟!
لقد مرّ بغصن شجرة على ظهر طريق ، أشواكُه تؤذي المسلمين ، يمر أحدهم دون
أن ينتبه ، فيخمشه الغصن ، أو تلسعه أشواكُه ، أو تمزّق ثيابه ، أو ينتبه
له ، فيتنحّى إلى زاوية ضيقة ، ولعلّ وراء الغصن حشرة سامّةٌ ، أو فوقه
تغتنم دُنُوّه منها ، فتلسعه .
فكّر في كل هذا ، فعمد إلى الغصن ، فقطعه ، وحمله بعيداً عن الطريق ِ طريق
ِ المسلمين . فاستحق بذلك رحمة الله تعالى ، ورضوانه وجنّةَ الخلد ونعيمها
.
رواه مسلم

رياض الصالحين / باب في بيان كثرة طرق الخير


.................................................. ............

القصة الثانية عشرة
- إنه شفيعُنا: صلى الله عليه وسلم –


قال التلميذ لأستاذه : ما يفعل الله بالناس يوم الحشر؟
قال الأستاذ :
يجمع الله تعالى الناس ومعهم الجن والحيوان والطير ، وتحيط بهم الملائكة ، وتقترب الشمس منهم قدْر ميل .
قال التلميذ : وهل يتحملون ذلك الحرّ يا أستاذ ؟!
قال الأستاذ :
الناس هنالك على قدر إيمانهم وأعمالهم . فمنهم من يصل عَرَقـُه إلى كعبيه
، ومنهم إلى ركبتيه ، ومنهم من يصل العرق إلى صرته ، ومنهم إلى أثدائهم ،
ويصل العرق ببعضهم إلى فمه ، يكاد يُغرقـُه .
قال التلميذ : أهنالك يحاسبهم الله على أعمالهم ؟
قال الأستاذ :
لا ؛ إن يوم القيامة مواقف ، والحشر انتظار يطول على الكافر والعاصي ، أما المؤمن فإن الله يُظله تحت ظله ، يوم لا ظلّ إلا ظلُه .
قال التلميذ : ماذا يفعل الناس بهذا الموقف ؟
قال الأستاذ :
يشتدّ على الكافرين ما هم عليه ، ويحسبون أنه العذاب الشديد . فيدعون ربّهم أن يخلصهم منه ولو إلى جهنّم .
قال التلميذ : وهل العذاب في جهنّم أقل سوءاً؟! .
قال الأستاذ :
بل أشد بكثير ، إنما طول الموقف وشدّتُه عليهم يدفعهم إلى التعوّذ منه والتخلّص من بلواه ، ولو إلى ما هو أشدّ منه .
قال التلميذ : ما يفعل المؤمنون في ذلك اليوم العصيب؟.
قال الأستاذ :
إنهم أيضاً يرجون الخلاص منه حين يقربهم الله تعالى إلى الجنة فيرونها ويرجونها مشتاقين إليها .
قال التلميذ : فماذا يفعلون إذاً ؟ .
قال الأستاذ : يذهبون إلى أبيهم آدم يستشفعون به عند ربهم ، ليفتح لهم الجنّة .
قال التلميذ : فهل يفعل آدم ذلك ؟
قال الأستاذ :
يقول آدم : أتريدون دخول الجنة بشفاعة أبيكم ، وهو الذي أخرجكم منها حين
عصى أمر ربه فأكل من الشجرة ؟! .. لست صاحب التشريف بهذا المقام المنيف ،
اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله ، فلعله يشفع لكم عند ربكم .
قال التلميذ : فهل يذهبون إلى إبراهيم ، فيجيبهم ويشفع لهم ؟
قال الأستاذ :
يذهبون إليه حقاً ، ويقولون : يا خليل الله استفتح لنا الجنة ، فيقول :
معتذراً لست صاحب تلك الدرجة الرفيعة التي تؤهلني لما تطلبون . .. يقولون
: ولكنّك خليل الله ؛ ألم يرفع ربك مقامك حين قال : " واتخذ الله إبراهيم
خليلاً " ؟! .. فيقول : بلى : كنت لله خليلاً ، ولكنه سبحانه لم يكلمني
ولم أره . إنما كان ذلك عن طريق سفيره جبريل .
يقولون : فماذا نفعل ، وإلى من نذهبُ؟ .. فيقول إبراهيم الخليل : اعمدوا
إلى موسى ، فقد كلمه الله تكليماً دون وساطة ، واصطفاه على الناس برسالاته
وبكلامه ، فأنا وراءه في المنزلة ، ووراءَ منْ وراءه .
قال التلميذ : وهل يذهبون إلى موسى ، ويسألونه أن يشفع لهم بدخول الجنّة ؟ .
قال الأستاذ : لقد ذهبوا ، وسألوه الشفاعة ، وذكّروه بمكانه من الله تعالى .
قال التلميذ : فبم أجابهم ؟ هل شفع فيهم عند الله تعالى ؟
قال الأستاذ :
أجابهم بما أجابهم به من قبلُ آدمُ وإبراهيمُ : لست بذلك المقام الذي
يؤهلني لما طلبتم ، فاذهبوا إلى عيسى بن مريم ، فإن كان الله قد كلّمني
فهو كلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه.
قال التلميذ : فما تقصد - يا أستاذ – من قول موسى : إن عيسى كلمة الله وروح منه؟ .
قال الأستاذ :
أما كلمته فقد أوجده دون أب بكلمة " كن " وهذا أمر بديع عجيب . خالف فيه
سبحانه سنّتَه ليكون عيسى حجة الله على عباده ، كما جعله يتكلم وليداً .
وأما روحُه فقد جعله ذا روح وحياة دون ماء يجري في رحم أمه ، وأحيا به الموتى فكلموا الناس .
قال التلميذ : فهل يتوسط لهم ، ويسأل الله تعالى أن يفتح لهم الجنّة ، وينقذهم من شدّة الموقف؟
قال الأستاذ : لا ؛ إنما يجيبهم بما قاله لهم آدم وإبراهيم وموسى : لست أهلاً لتلك الدرجة الرفيعة ، إنها ليست لي .
قال التلميذ : فإلى أين يذهبون ؟ وعلى من يُعَوّلون ؟
قال الأستاذ :
وهل هناك غير رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ؟ لقد دلّهم عليه عيسى
عليه السلام قائلاً : إنه الشفيع المشفـّع ، صاحب لواء الحمد والمكانة
السامية التي لا يرقى إليها أحد . إنه من كلم الله في السموات العلا حين
عرج إليها ، ورأى نوره سبحانه ، فأين الأنبياء منه ، وإن عَلَوا ،
والمرسلون ، وإن سَمَوا ؟!
قال التلميذ :
فماذا يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يذهبون إليه ، يستشفعون به ، ويستفتحونه ؟ .
قال الأستاذ : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا لها ، أنا لها .
وينطلق إلى مقدمة العرش ، ويسجد لله سبحانه ، ويفتح الله تعالى عليه
بمحامد يحمد بها الله تعالى ، لم يفتح عليه بها من قبل . يقول سبحانه
وتعالى : قم ؛ يا محمد ؛ واشفع تُشَفع ، وسل تعطه ، واطلب يُستجب لك .
قال التلميذ : يا أستاذي الكريم ؛ لِمَ لمْ يدلهم الأنبياء عليه ابتداءً ؟.
قال الأستاذ :
أحسنت يا بني ، إنك لبيب أريب ، سألتَ سؤالاً يدل على ذكاء وبُعد نظر ، إن تعليل ذلك من جوانب عِدّة ، منها :
أولاً : أن الموقف عظيم ، وأنهم – وإن كانوا أنبياء ورسلاً عظاماً – فلكل درجته ومقامه الذي يقف عنده لا يتعدّاه .
ثانياً : أن كل واحد منهم حين يقدّم غيره إنما يُظهر فضله وعلوّ مكانته بما اختصّه الله به .
ثالثاً : أن الحكمة في إلهام الناس سؤالَ آدم والبدء به ، ثم الانتقال إلى
مَن بعدَه ، واعتذار كل منهم بأنه ليس أهلاً لذلك إظهارُ كمال شرفه صلى
الله عليه وسلم على سائر الرسل . إذ لو جاء الناس إليه أوّلاً ، وأجابهم ،
وشفع فيهم ، لم يظهر كمال التمييز . إذ كان احتمال أن هذا الأمر له ولغيره
من الرسل . فلما تأخر كلٌّ عن ذلك ، وتقدم هو له عُلم أنه السيّد المقدَّم
صلى الله عليه وسلم .
رابعاً : ويُحتمل أنهم علموا أن صاحب الشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ،
فتكون إحالة كل واحد منهم على الآخر على سبيل التدريج إليه ، وإظهار فضله .
خامساً : أن الأخير وإن كان أفضل فمن الخير تقديم الأجداد والآباء على الأبناء.
سادساً : لإظهار أهمية الموقف وفضل الشفاعة ، فإن الناس لو نالوها مباشرة لم تظهر أهميتُها وعظيمُ أثرها .
قال التلميذ : إيهِ يا أستاذي الكريم ؛ إني لمتشوق لمعرفة ما يحصل بعد ذلك .
قال الأستاذ : حينئذ يرفع الرسول الكريم رأسه ويسأل الله تعالى أن يجوز الناس الصراط إلى الجنة.
قال التلميذ : وما الصراط يا استاذي ، وما أهمية ذلك ؟
قال الأستاذ :
إنه الجسر الذي ينصب فوق جهنم يقطعه الناس إلى الجنة ، فأما من ثقلت
موازينه فقد أفلح ، وأما من خفت موازينه فقد سقط في جهنم ، والعياذ بالله .
قال التلميذ : فكيف يجوزه الناس يا أستاذ ؟
قال الأستاذ : حين يُنصب الصراط تقف الأمانة عن يمينه ؛ والرحم عن يساره –
لعظم أمرهما وكبير أثرهما – يُصَوّران شخصين على الصفة التي يريدها الله
تعالى ... فمن أدّى الأمانة إلى أهلها ، وكان عفّ اللسان ، طاهر القلب ،
نقيّ السريرة ، يؤدي فرائضه ، ويعمل بما أمر الله تعالى ، وينتهي عن
نواهيه ، يعين على نوائب الحق ، ويساعد المحتاجين ، ويكف أذاه عن الناس .
ومن كان يصل رحمه فبرّ أباه وأمه ، وأحسن إلى إخوته وأهله وعشيرته ، وعفا
عمّن ظلمه ، ووصل حبال من قطعه جاز الصراط ، ووصل إلى الجنّة . ومن كان
خلاف ذلك هوى في نار جهنم .. نسأل الله العافية .
قال التلميذ : فكيف يمرّ الناس على الصراط؟
قال الأستاذ :
أحسنتَ يا بني في سؤالك هذا ... يمر الناس على الصراط حسب أعمالهم ، فمن
كان وليا لله ، مقيماً لشعائر دينه ، مجاهداً في سبيل الله ، باع الدنيا ،
واشترى الآخرة جاز الصراط كالبرق – طرفة عين – وهؤلاء هم الصفوة المختارة
الذين يمرون دون أن يشعروا أنهم مروا لسرعتهم . فما أكرمهم على الله ؟!..
ثم تأتي الفرقة الثانية ، فيمرون على الصراط سرعةَ الريح ... ثم تأتي
الفرقة الثالثة ، فيمرون على الصراط سرعةَ الطير ... ثم تقل المراتب
والأعمال ، فيكون المرور على الصراط مناسباً لأعمالهم .
قال التلميذ : وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذاك ؟
قال الأستاذ : إنه عليه الصلاة والسلام قائم على الصراط يدعو الله النجاة
لأمته قائلاً : ربِّ سلّمْ سلّمْ ، والأنبياء تقول مثل هذا همساً . لهول
الموقف وشدّة وطأته . حتى تعجز أعمال العباد .
قال التلميذ : فماذا بعدُ يا أستاذُ ، أرجو أن توضح أكثر .
قال الأستاذ : لا يبقى سوى العاصين ، وعلى جانبي الصراط كلاليب من حديد
معقوفة الرأس ، فمن كان قليل العصيان سار سيراً حثيثاً ، ولربما أصيب
بأذىً ، فخدشته الكلاليب ، لكنه ينجو من النار ولهيبها . ومنهم من يكون
بطيئاً في سيره ، وبعضهم لكثرة ذنوبه لا يستطيع السير إلا زحفاً والكلاليب
تأكل من جسمه وتزعزع أركانه، لكنّ الله ينجيه ، فهي لا تعلق إلا بمن أُمرت
به ، فتلقيه في أتون جهنم .
أما الجبابرة والمتغطرسون من أمة الإسلام فتلقي بهم الكلاليب في قعر جهنم
والعياذ بالله .. أتدري متى يصل الذي تعلق به الكلاليب فتكردسه إلى قعرها
؟! بعد سبعين سنة من سنواتنا هذه ، نسأل الله العافية .
أما الكفار فيُؤخذون مكبلين إلى جهنم ليخلدوا فيها أبد الآبدين ....
قال الأستاذ والتلميذ :
اللهم إنا نسألك الجنة ، وما قرّب إليها من قول أو عمل ،
ونعوذ بك من النار ، وما قرّب إليها من قول أو عمل .
اللهم ارحمنا ، فإنك بنا راحم ، ولا تعذبنا ، فإنك علينا قادر .

رواه مسلم
رياض الصالحين / باب الأمر بأداء الأمانة


.................................................. ...........................

القصة الثالثة عشرة
" العبد الصالح جُرَيج "


روى هذه القصة أبو هريرة رضي الله عنه إذ سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم . فمن جريج هذا ؟
أنصت الرجال المتحلقون حول حبيبهم المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وأرهفوا
السمع ، وحبسوا أنفاسهم ، حين بدأ يحدثهم عن جريج العابد هذا ، فقال :
إن جريجاً كان رجلاً راهباً في صومعة له يعبد الله ، ويتبتل إليه ، انقطع
عن الدنيا ، وأخلص وقته ونفسه لله تعالى ، وكانت صومعته على صخرة عالية في
الجبل ، وتحتها كهف يأوي إليه أحد رعاة البقر ، فيَقيل ، ويُمسي .
جاءت أم جريج مرة وهو يصلي ، فدعته ، وكان عليه أن يجيب دعاءَها ، فقال في
نفسه : أيهما أفضل يا ترى ؟ الاستمرارُ في الصلاة وأنت واقف بين يدي الله
تعالى أم قطع الصلاة وإجابةُ دعوة الأم؟!! لم يكن يدري ما يفعل ... إلا
أنه آثر إتمام الصلاة رغبة في تمام الثواب ... وسوف يفرغ لأمه يبرُّها ...
نعم لن يضيع الصلاة ؛.. وإرضاء الوالدة بعد ذلك أمر يسير ، وهو بذلك ينال
أجرين ! هكذا فكر جُرَيْج ..
وعادت الأم تنادي : يا جريجُ؛ رُدّ عليّ يا بني ؛ أنا أمك أناديك ، فهلمّ إليّ .. إجابتي خير لك في الدنيا والأخرة ...
لم يكن جريج يدري أن ترك النوافل والمبادرة إلى إجابة والدته أفضل
القرُبات عند الله ، فعزم أن يستمر في الصلاة .. ولا شك أن الله يعلم أن
جريجاً يحب والدتَه ، ويودّ بـِرّها ، ولكنّه في الصلاة ! - والصلاة وقوف
بين يدي الله – وهل أفضل من الوقوف بين يدي الله سبحانه ؟!
إنه ليس عاقـّاً ، وسيجيب والدته حين يفرغ من صلاته ... هكذا اجتهد للمرة
الثانية . وحين نادته مرة ثالثة وأخيرة فلم يردّ وآثر الاستمرار في الصلاة
، فأبطا عليها ، بل لم يجبها قالت حزينةً دامعة العينين متأثرة بصدّه
-المؤقت لها – وفي سَورة غضبها : لا أماتك الله يا جُرَيجُ حتى تنظر في
وجه المومسات .
وجه المومس ليس فيه طهر ولا نقاء ! دنس الزنا يُذهب رُواءَه ، ويُطفئ
نورَه ، ويترك عليه مسحة من سواد تنفر منه النفوسُ الصافية والقلوبُ
المؤمنة ، وتستعيذ منه الأرواحُ الشفافة والأفئدةُ الطاهرة.... وأين يرى
المومساتِ وهو لا يدري بما يجري حوله ؟ ! إنه لا يخرج من صومعته إلا
لِماماً .
لم تكن الأمّ تريد أن يُصيبَ ولدَها مكروهٌ ، ولكنْ سبق السيفُ العَذَلَ ،
وسبق لسانُها إلى الدعاء . وكأن دعاءها قد وجد أذناً من الله سميعة ...
انصرفت الأم بعد أن دعتْ ... ونسيتْ .. ولكنّ الله لا ينسى ، ولم يكن
لينسى دعاء الأم ، فلا بد أن يعاقَبَ العاقّ جزاءً وفاقاً ... ولكنْ كيف؟!

تذاكر بنو إسرائيل جُريجاً ، وعجبوا من كثرة عبادته وشدّتها ، وقَصَده
الناسُ من كل حَدَب وصوب، فذاع صيتُه ، وتدافعوا إلى صومعته يلتمسون
بركتَه ، ويسألونه أن يدعوَ لهم .
وكانت امرأة بغيّ يُتمثّل بحسنها ، قالتْ : إن شئتم لأفتِنَنّه !.
قالوا لها : لا تستطيعين ، إنه لا يلتفت إلى النساء .
قالت متحدّية : ومنذا يقف أمام جمالي وإغرائي ؟!
قالوا : إن كنت واثقة بنفسك فافعلي .
تزينت له ،وحملها الشيطان على جناح الفتنة إلى صومعة جُريج ، وجهدتْ في
التعرّض له ، فتمنّع عليها ، وجدّتْ في إغوائه ، فاستعاذ بالله منها ،
حاولت بكل فتنتها ومكائدها أن يسقط في مصائدها فارتدّت خائبة ، فلما شربت
من كأس اليأس وسقطت في تحديها - فليس كل الناس سواء = نزلت إلى راعي البقر
في كهفه أسفل الصومعة ، فمكّنته منها . .. أسلمت راعي البقر نفسها وهو
الذي لايأبه له أحد ، ولا يملأ عينَ من يراه ، وهي الجميلة الفاتنة التي
يخطب الكبراء ودّها ويركعون تحت قدميها ، ويبذلون أموالهم كي ترضى عنهم
فيظفروا بها ! إن تمنّع الراهب أحبطها وجرح كبرياءها ، فارتمت عند أول
لاقط لها حنقاً من الراهب وشعوراً أن هناك من يريدها ، ويسارع إليها ..
إن المومس حين زنا بها الراعي حملت منه ، ثم ولدت صبياً يجهل الناس أباه ،
فمن أبوه يا ترى ؟ لم تذكر المرأة اسم الراعي ، فهو أبو ابنها الذي تحبه
وأباه ، ولا ترضى العقاب للراعي الذي ارتبطت به ، فأثمر هذا الارتباط
الخاطئ ولداً . إنها تريد إبعاد التهمة عنه لتوقع بمن مرّغ كبرياءها ، ولم
يلتفت إلى إغرائها وفتنة جمالها . .. ووجدت الفرصة سانحة ، فقالت أمام
الملك : إنه جُريج ؛ ذلك الذي يلبس مسوح الرهبان ، ويتستر وراء سياج
العفاف ! !..
وأبلس القوم ... جريجٌ يفعل هذا ؟! أمن المعقول أن يكون ظاهره غير باطنه؟!
وهل يمكن لهذا الرجل الصالح أن يقع في الزنا ؟! ... ويتهامس القوم غير
مصدّقين .
قال الملك مستغرباً : أصاحبُ الصومعة؟!
قالت : نعم ؛ ألم يرني أحدكم تلك الأيام أختلف إلى صومعته؟
لا شك أن بعضهم رآها تقصد الصومعة في أوقات مختلفة .. لا بل تقصد مما تحت الصومعة إلى الراعي ... وأنّى لهم أن يعرفوا الحقيقة ؟
ثار الناس وتصايحوا .. وغضب الملك ، وازداد غضبه .. لماذا ؟ لأنه فوجئ بمن يزني وهو متزيّ بزيّ الصالحين . ..
وفي سورة غضبه أمر أتباعه بهدم الصومعة ، وجر جريج مهيناً إلى مجلس الملك
. ففعلوا ، وربطوا يديه بحبل إلى عنقه كما يُفعل بالمجرمين ، وضربوه



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر
Anonymous



قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم   قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم I_icon_minitimeالجمعة فبراير 15, 2008 8:35 am




القصة الرابعة عشرة
السرابُ الخادع


حملت الأم رضيعها ، ودلفت من الباب مسرعة إلى
دار والدها ، ففي مثل هذه الساعة من يوم الأربعاء كل أسبوع يلتقي الإخوةُ
هناك سويعاتٍ يُعيدون ما انقطع من ذكرياتهم قبل أن يتزوجوا ، ويُضفون على
والدَيهم السرور والسعادة حين يجتمعون إليهما ، وهم حريصون على برّهما
والإحسان إليهما .
بكى رضيعها بكاء مرّاً ، فهدهدَتـْه وهي مسرعةٌ ، فلم يتوقف عن البكاء ، ناغته ، فارتفع صوتـُه . قالت : فلعلّه جائع ...
انزوتْ ركناً من الطريق ، وجلستْ على حجر رأتْه هناك ، وألقمتْه ثديَها .
لقد كان جائعاً وطمآن حقاً ، فلقد سكت ، وانشغل بالرضاع .... نظرت إليه
نِظرة الحنان والحب . وهل هناك أشدّ رأفة من الأم على وليدها ؟.... ودعت
الله أن يجعله رجلاً صالحاً مهيباً ، يملأ العين ..
قبّلتْه ومسحت على رأسه ، ثم أقبلتْ على الطريق ترصد المارين ، وتسلي نفسها إلى أن يشبع ولدها .
وفجأة رأت فرساً فارهة ، أقبلتْ تخُبّ بصوت رتيب موسيقيّ ، جسمها متين ،
كأنه قطعة من حديد ، ضخمة كأنه جدار عال ، يمتطيها رجل بدَتْ عليه أماراتُ
الصحة والعافية ، وسيم الطلعة ، نضر الوجه ، يلبس ثياباً جديدة تزيده
بهاءً وجمالاً .
قالت وهي تنظر إليه ، وقد بهرها ما رأتْ : اللهم اجعل ابني مثل هذا .
يا للعجب ؛ لقد ترك الرضيع ثديَ أمه ، وكأنه فهم ما قالت، ونظر إلى الرجل
يتفحّصُه ، ويُدير فيه عينيه ، ثم نطق قائلاً : اللهم ، لا تجعلني مثله
... ثم أقبل على ثدي أمّه ، فجعل يرضع .
تعجّبت الأم حين سمعت ابنها يتكلم ، إنه لم ينطق بغير هذه الكلمات . ثم
داخَلها الشكُّ : أحقاً ما سمعته أم إنها حالمة ؟! وهل ينطق ابن أشهر
بكلمات الكبار ، ويفصح عمّا يريد ؟ ...إنه لأمر عجاب !.
وعادَتْ تنظر إلى الناس ، وقد نسيت أو تناست ما سمعت . فرأت رجالاً يضربون
فتاة ، ويقولون : زنَيْتِ ، سرقـْتِ . والناس مجتمعون حولها ، لا يرأفون
بها .. ومن يرأف بفتاة زانية سارقة؟... وكانت الفتاة حزينة ، باكية ،
كاسفة البال ، تشكو إلى الله ظلم العباد ، وتقول : حسبي الله ، ونعم
الوكيل .
قالت الأم وهي تنظر متقزّزة ؛ تستنكر أن تزني المرأة الحرّة وتسرق : اللهم
لا تجعل ابني مثلها .- وهذا الدعاء من أم تود الخير لولدها فطْريٌ في كل
امرأة ... يا سبحان الله ؛ إن الطفل يترك الرضاع ، وينظر إلى الفتاة
يتفحّصها ... ثم يقول : اللهم اجعلني مثلها .... ثم يعود إلى التقام ثدي
أمه .
أما الأم الآن فقد تيقـّنَتْ أن ابنها الصغير يتكلم ، وأنه هو الذي دعا
الله أن لا يكون مثل ذلك الرجل صاحب الفرس . فسألتْه : يا بنيّ لِمَ
رفضْتـَه ، ورضيت أن تكون كهذه الفتاة ؟ !.
وهنا علّل الرضيع بأوضح كلام ، وأفصح بيان :
يا أماه ؛ أما الرجل فهو جبّار متكبر ، يرى الناس دونه ، ومن كان هكذا
فالنار مأواه . فهل تريدين أن أكون مثله ، وانتهي إلى ما سينتهي إليه ؟!!
وأما الفتاة فطاهرة اليد عفـّة النفس ، ليست بزانية ولا سارقة ، اتهمها
الناس بذاك زوراً وبهتاناً ، فهي تنفي عن نفسها ما يَشينُها ، وهل تفعل
الحرّة المؤمنة ما يُسيء إليها ؟!!
لا ينبغي – يا أماه – لذي العين البصيرة والعقل الواعي أن يُؤخذ بالمظاهر
الكاذبة ، وأن يخضع للادّعاءات الضالّة ، إنما عليه أن يتحرّى الصدق كي
يكون على هدىً مستقيم .

متفق عليه
رياض الصالحين ، باب ضعفة المسلمين والفقراء الخاملين


.................................................. ............................

القصة الخامسة عشرة
رب رحيم


بعض الناس يعيشون دون وازع من دين يردعهم عن
الوقوع في المعاصي ، هؤلاء عشعش الشيطان في قلوبهم ، وباض وفرّخ ، فلا
يستطيعون الخروج من مستنقع الفساد ، ولا يريدون الخروج منه .
فليست قصتنا عن هؤلاء ، فإن انتقل بعضهم إلى معسكر الإيمان فهم قليل .
أما هذه القصة فعن المؤمن الذي يحب الله ويخافه ، ويبذل جهده لإرضائه ،
يأتمر بأمره ، وينتهي عن نواهيه ، فإن زلّ وأذنب ، فالتوبة تمحو ذنبه ،
وتغسله من درنه ، فيلحق بركب الصالحين .
فقد ذكر الرسول الكريم محمد صلوات الله عليه وسلامه أن رجلاً مؤمناً وقع
في إثم ، فأحس بالضيق ، وندم على ما فعل ، وأسف على ما فرّط في جنب الله ،
فماذا يفعل؟
إن المسلم حين يكبو به فرس إيمانه ، فيقع في حفرة لم ينتبه إليها ندّت عن
درب الإيمان سرعان ما يلملم نفسه ، ويستعين الله ، ويتوب إليه من ذنبه ،
سرعان ما يتجه إلى خالقه يذرِف دموع الندم ، ويعاهد الله أن لا يقع مرة
أخرى فيما يغضب الله تعالى ، ويسأله الصفح والغفران ، ويرجوه طيّ تلك
الخطيئة ، بل التجاوزَ عنها ، بل محوَها من سجلـّه كي يعود نظيفاً ، وأن
يبعد عنه وسائل الغواية ، ويهديَه سبيل الرشاد ، يلتجئ إليه وحده ، فهو
غفـّار الذنوب ، ستـّار العيوب .
يا رب اغفر ذنبي ، واستر عيبي ، وارحم ضعفي بقوتك ، وتجاوز عن ذنبي بحلمك وعفوك ، أنت ربي تباركت ، وتعاليت .
ويرتفع الدعاء مصحوباً بالندم والاستغفار ، مخترقاً الحجُب إلى عالِم
الغيب والشهادة ليقف أمام السيّد المطلق يعلن توبة َصاحبه وإنابتـَه .
ويفرح الله تعالى بتوبة عبده ، ولَفـَرحُه – سبحانه – أشد من فرح الرجل
الذي عادت إليه ناقتـُه - في صحراء مترامية الأطراف ، فأيقن بالهلاك –
فعادت إليه الحياة .
فقال تبارك وتعالى " أذنب عبدي ذنباً ، فعلم أن له رباً يغفر الذنْب ، ويأخذ بالذنب ، فغفر له "
وعاد الرجل المؤمن ، فضعف أمام مُغرِيات الحياة ، وزلت قدمه في حفرة الخطأ
... سقط وهو يعلم أنه نكث العهد الذي قدّمه أمام توبته .. لم ييئس أمام
ضعفه وضغط الماديات والمغريات حوله ، فأحس بالندم الحقيق ، وتمسّك
بالعُروة الإيمانيّة الوثقى ثانية ، وبكى ، ولجأ إلى الركن الركين والملاذ
الحصين ، يسأله العفو والغفران وستر العيوب والنقصان .
وارتفع الدعاء إلى الطبقات العلا يستمطر الرحَمات ممن بيد النواصي ، يعلن توبة صاحبه وإنابتَه .
فيقول الله تعالى – سبحانه من رب رؤوف رحيم عطوف !- : أذنب عبدي ذنباً ،
فعلم أن له رباً يغفر الذنـْب ، ويأخذ بالذنـْب ... فغفر له " .
خُلق الإنسان من عَجَـل ، فكان نقصُه واضحاً . ولا يظهر الخطأ إلا من
النقصان . فإذا لاذ الضعيف الناقص بالقوي الكامل ارتفع عن سفساف الأمور ،
ودنا من العصمة والثبات ... ولكنّ الضعيف إن فتر عن المتابعة – وهذا دأْبه
– عاد إلى الخطأ . فإن وقع فيه نبّهَتْه فطرتُه الإيمانيّة التي فطره الله
عليها ، فعاد إلى الصواب يستغفر الله ويرجو عفوَه ، فهو – الإنسان – دائم
العودة والإنابة ، ينزع إلى خالقه يحتمي بحِماه ، ويرجو فضله ، فيجيبه
الله تعالى بحنوٍّ وعطف وحنان : " أذنب عبدي ذنباً ، فعلم أن له رباً يغفر
الذنب ،ويأخذ بالذنب ، أقـْبـَلـُه إن عاد ، وأدعوه إن بَعـُد ، أغفر
زلاتِه ، وأجيبُه إن دعاني ، قد غفرتُ لعبدي ، فليفعلْ ما يشاء .

متفق عليه / رياض الصالحين / باب الرجاء




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
سراج الاقصى :: قسم المنتديات العامه :: منتدى الشباب-
انتقل الى: